||

المفتاح و الريشة

24 أكتوبر، 2022

مسعدة اليامي/ السعودية

 


رواية قنطرة التي رسم حروفها الروائي أحمد السماري,معزوفة دافئة مع أول دفقه تسري إلى عروقك وأنت تتنقل في تفاصيلها المسحوبة من شرايين قلب الواقع لذلك الوقت الجميل.
كل ما ينقُصك هو ريشة تعزف بها اللحن المفقود على ذلك العود, و مفتاح تدخل به ذلك العالم الفاتن,بكل ما فيهِ من عجائب لا تخلق الدهشة فحسب, بل تَفتنك بِتلك العذوبة في الوصف الدقيق المرن.
فكما ذكر الروائي **كلنا قصة واحدة بتفاصيل مختلفة** وذلك فعلاً هو واقع الحال فما نحن في هذه الحياة ألا قصص متنقلة من مكان إلى مكان.
الرواية تقع 183صفحة و هي صادرة عن دار أثر للنشر و التوزيع , تتمحور الرواية حول القنطرة التي تعد بمثابة الجسر للعبور عليها بهدف الوصول إلى مكان أخر, و ذلك ما أعتقد أنهُ الهدف الرئيس من كتابة هذه الرواية , وهو أن يصل جيل اليوم و الأجيال القادمة إلى بحور و موانئ الفنون الشعبية القديمة, التي كانت تتمتع بالكثير من العراقة و الأصالة في الفعل و الكلمة ,و ما عانى ذلك الجيل من مشقة و متاعب حتى تمكنوا من الوصول إلى تحقيق شيء من أهدافهم.
الرواية معزوفة ما بين المكان و الإنسان, وذلك ما سوف تلمسه أثناء القراءة التي تنقلك برشاقة روح شفافة استشفت الكثير من الجمال الذي يخرج من رحم المعاناة ,تجد أن الرواية تتمحور عن معاناة شخصيتين رئيسية و أخرى فرعية اعتمدوا على مواهبهم التي كانت مصدر شقائقهم و تعاستهم و سعادتهم في ذات الوقت و هم
( وحيد و سارة و عبادي) تلك الشخوص التي حاولت أن تجد نفسها في ظل ثورة المجتمع ,و شح الفرص,و الإمكانيات في ذلك الوقت الذي طالما سمعنا جملة
( الزمن الجميل) ( زمن الطيبين) إلا أن هذه الرواية تكشف لنا الوجه الآخر لذلك الوقت.
يمتلك الكاتب حس رفيع و ذلك متجلي في قدرتهِ على وصف الحالات التي مرت بها شخوص الرواية التي تشعر أنها تأسرك أثناء عملية السرد , فالرواية متعددة الأصوات, سواء كانت تلك حال الشخصيات الرئيسة المتمثلة في ( وحيد و سارة) أو الشخصيات الفرعية المتمثلة في ( أم سليم و عبد الله و خالد و حارس السجن و سليم نفسه و هو شخصية من ذوي الاحتياجات الخاصة) تشعر و أنت تقرأ الرواية, بقوة التلاحم الإنساني بين تلك الشخصيات التي عزفت لك لحنٌ من الفرح ,و الألم و التعاسة,و اليأس,و العبودية,و الحرية,و الفقر,و نار الغربة,و النفي والخديعة و الخيانة !
لتجد نفسك أثناء القراءة ذَات طبيعية جداً بتفاعلك مع الأحداث, فتفرح و تحزن و تتعاطف مع تلك الحزمة من الجمال و أن كانت حرقة تلك الشخصية تتضح لك من خلال جملة مشبعة بالأمل و اليأس معاً و ذلك في حلم سارة .. التي تزوجت ثم انفصلت,و نتج عن ذلك بنت فحلمت بأن تكون دكتورة ,و في ظل ذلك الأمل تخيلت قسوة المجتمع عندما ينظر لها ,و يصرخ في وجها قائلا: الدكتورة نوف بنت سارة ( الطقاقة)!و الكثير من الثنائيات المرة .. التي مرت بها شخصية سارة خلال الرواية.
الرواية التي تناولت الكثير من معاناة الفنان الشعبي و تمثل ذلك في وحيد الذي باع العود الذي كان يعزف عليه من أجل قضاء حاجة ,و كيف أنهُ خسر الكثير من ماله ,و راحته النفسية في سبيل أن تكون نهايته صادمة, بعدما أصيب بمرض خطير في السجن لتجدهُ في أخر الرواية , نائم على مقعد في حديقة عامة, تخيل ذلك المشهد قبل أن تقتنص الفرصة باقتناء الرواية .. التي تشع سحر بجمال الحب ,و العلاقات الإنسانية و ذلك ما حدث مع عبد الله الذي ساعدهُ على الخروج من السجن أحد المشجعين لهُ ,كونه كان لاعب كره, بعدما تخلوا عنهُ , عندما فقد مهاراتهُ على اللعب, و لا يختلف ذلك عن واقع الحال.
الرواية تحمل الكثير و الكثير من الجمال فإذا ارتدت أن تشعر و تتذوق روح الجلسات الطربية الأصيلة (لسلامة العبد الله, و فهد سعيد وحيد الجزيرة, و عتاب و بشير شنان و طلال مداح) و غيرهم فما عليك إلا قراءة رواية قنطرة حتى تستمتع بصوت يعالج كل الأمراض .. التي تصيبك و أنت تستمع إلى الفن الهابط! الذي أصبح يسري في المجتمعات العربية اليوم ,بما فيها مجتمعنا السعودي.
فالرواية مطعمة بالكثير من المقاطع الغنائية التي منها على سبيل المثال:
خلاص من حبكم يا زين عزلنا/ ما عاد لي في هواكم شف أو راده
أو .. ..
على وين يالغالي على وين/ على وين شديتوا الرحايل
الشيء الذي توقعته في بداية الرواية .. التي كان بطلها قد مر بثلاث قصص من الحب أن يكون هناك فسحة لفن الرسائل الأدبية ,و لم يكن و لا يعني ذلك أن الرواية فقدت عطرها الجذاب , بل على العكس ,بأن يحدث خلاف ما تتوقع ذلك هو الجمال من وجهت نظري.

رد واحد على “المفتاح و الريشة”

  1. يقول ابوسعود:

    فعلا رواية جميلة ومشوقة منذ بدايتها تجذبك الى ذلك الزمن الجميل وتتعايش مع المعاناة والامل معا .. مع تحياتي وننتظر من المؤلف مزيدا من الابداع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

رأي المصداقية

1 يناير، 2021
رآي المصداقية

  كان حلما يراودنا منذ...

كتّاب المصداقية

23 أكتوبر، 2025
نصفك الأسود

ضيف الله نافع الحربي  ما...

15 أكتوبر، 2025
من جدة إلى كأس العالم

ضيف الله نافع الحربي  من...

9 أكتوبر، 2025
أخطر العقود “أنا وأنت معًا”

ضيف الله نافع الحربي  رابط...

2 أكتوبر، 2025
اقرأ لتكبر

ضيف الله نافع الحربي  لا...

أوراق أدبية