||
قراءة الفنانة التشكيلية مها الكافي
@AlkafiMaha
في ميلاد الحضارات ترقص أماني الشعوب وتغني على ضفاف أنهار ديارهم أجمل الغواني ، وعلى رفات الحضارات يموت ألف طفل وتنبش الأرامل قبور ذويها ، وتنتحر فوقها قبلات العشاق ويسقط آخر سيف لخيال فارس بلا جواد .
السومريون والحضارة السومرية كانت تتميز بتوسع التعبير لديهم فكانت الفنون بشتى أنواعها من العمارة والنقش والنحت ولكنها في مجملها تعطي نظرية سياسية ودينية واحدة.
من ينظر إلى لوحاتهم يعرف أنهم أبناء بلاد الرافدين بالذات جنوب الرافدين بلاد سامراء غنت لوحاتهم باندماج النواح والبكاء مع الضحك لتخلق أغنية الحب السومري ، لوحاتهم مفعمة بالدفء اللوني المحاط بسواد وحشية الواقع ، وبذلك انتموا إلى المدرسة الوحشية رغم أنهم خلطوا الواقعية المغلفة بالتجريد في شخوص اللوحة وفي العموم فشخصياتهم يسبحون في الفضاء الذي يحويهم ضمن إطار اللوحة فجسدوا العالم المرئي عالم الحب الأول لأغنية الحب السومرية للرجل والمرأة التي ولدت حين التقت” أناأنا” وديموزي الحبيبين السومريين فغنت أجمل قصص العشق والحب ، وهكذا استطاع فنانوا بلاد الرافدين أن يرسموا أجواء شخوص لوحاتهم التي أغلبها تدور في مجال رجل وامرأة سومرية ، فنهم مفعم بالحرية فكل شي فيه يحكي ويتحرك ويزدحم في كوكبة لونية صاخبة استطاعوا أن يجسدوا من خلالها أحاسيسهم المزدحمة بعد دراسة متأنية عميقة من منظور وموروث حضاري اجتماعي . الألوان في لوحاتهم تناغمت رغم التنافر ، فلو نظرنا إلى لوحاتهم المرسومة لنجدها اكتظت بالسواد حتى جرفتنا لأعماقها ولنتحاور مع الشخوص الثلاثة الذين جسدوا العائلة السومرية حوار أضاءته ألوانهم وكأنهم شموع تنير عتمة المكان ، الخطوط العريضة توحي بالحجم و هذا الطابع كما قلنا سبغه الوحشية وذلك لتعطي الأهمية بالحجم في لوحاتهم ، كان التركيز على الألوان الأساسية من الأحمر والأخضر والأصفر مع التركيز على العيون السومرية الواسعة المتأججة بالألغاز أهمها اللغز لأصول السومريين ومن أين جاءوا في عطائهم الفني ، أضفى الطابع الإنساني على الطبيعة مع سيطرة الطابع الإنساني فأنخلق حوار بين الشخوص والطبيعة من خضرة ومساء وقمر حوارا نقطة ارتكازه العيون الواسعة وهذا تقريبا في جميع اللوحات التي أخذت أشكال مختلفة وعند الرجوع للعيون والتي هي مركزية العمل نجد أن العيون واقعية مفعمة بالتجريد ، العيون عند الفنانين وربما هذا مستمد من حضارة سامراء هي جسور الاتصال بالعالم وبذلك جعلوها جسور الاتصال بالعالم الغيبي ، في جميع نتاجهم كانت نظرة عيون شخوصها النظرة الوحشية السومرية التي تشع بقوة الصراحة ولكنها ما تلبث أن تميض بالتسامح والحميمة وكأنها تسرد حكاية أسلافهم وقوتهم حضاريا وسيطرتهم على بلاد الرافدين حتى سوريا ، ولكنها ترسم خط مفعم بالبسمة الحميمة لتذكر بأنهم شعب يتصالح ويندمج مع الآخر .
ومازلنا على ضفاف فنهم ونلاحظ الخط المحيط بالبؤبؤ وهو خط ملون وكأنها تبحث عن الفرح فيما حولها من الموجودات. وأما رمزية الأيدي لها دلائل أخرى فكانت طويلة لإثبات مدى قدرتهم على الوصول وتلامس ما حولها ممسكة بالزهور المليئة بعبق الحميمة . تلألأت العيون بوميض يترجم الأمل وانبثاقه فجر جديد .
الفنانون اهتموا كثيرا بالعيون فنرى بؤبؤ العيون وكيف تناولوه بأشكال مختلفة ومتفاوتة بين توسيع حدود العيون وتصغير البؤبؤ كما أنها أحيطت بخط عريض ملون وقد عمدوا فنانوا سامراء وبلاد الرافدين إلى جعل العيون متلألئة وكأنها تعكس تلألأ النجوم .
وهاهنا تجسيد آخر لحضارة السومريين وإنهم شعوب أحبت التأمل والتوجد والشعر والغناء.
السواد الذي وجد في لوحاتهم والذي اكتظت به ربما هو ترجمة لتشتت حضارة الرافدين وضياع معظمها بين غبار الألواح الباقية وأبخرة الأجساد المحترقة .
أخذتنا الألوان في لوحاتهم إلى رحلة الحرية اللونية الذاتية في الموضوعات الصاخبة ترجمت تلك الحرية بأنها حرية اجتماعية غير فردية تنبع من أبعاد سياسية اجتماعية فلسفية في حدود الممكن فهي جسدت قدرتهم الذاتية في مقتضيات الموجود.
لوحاتهم غصت بالزخم المناخي المتقلب من بارد وحار ممطر وجاف ومن شروق الشمس وانبثاق الغسق إلى رحيلها في سوادها المكتظ.
الأشجار في فنهم تعانقت مع إطار اللوحة إلى اللانهاية وكأنهم رسموا وجودية العالم الغيبي . أوراق الأشجار والحشائش تزين جدائل النساء السومريات وهناك لغة الاتصال بين الأشياء والآخرين وانتقال وتبادل بين الداخل والخارج أساسه اللون الحر وكيف اسسوا الحرية الحقيقية .
في لوحات فناني سامراء وبلاد الرافدين إدراك للفكرة الكلية ووعي المصير لأقوامهم السابقين فأصَّلوا قواعد في التفكير والحوار والسلوك .
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020
ابارك لصحيفة المصجاقية بانظمام الكاتبة الفنانه استاذة مها الكافي والتي بىعت بالفنون والان تبىع بالكتابه عن الفنون وجميل موضوعها الكتابه عن الفنون السومرية ببلاد الرافدين دعواتي لها بالتوفيق
اشكرك د. محمد من ذوقك الكريم. واشكر الصحيفة المتميزة أن فتحت ذراعيها لأن اتنفس من خلالها حرف الفن وتهجئية اللون وقراءة الرمزية في اللوحات.