||
ضيف الله نافع الحربي
الحديث بطريقةٌ مختلفة يجمع بين الجاذبية والمتعة، فتجتمع حوله الحشود ، وتصفق له القلوب بحرارة كُلما زادت مهارة صناعة الكلمات وصياغة الجُمل ، ولا أظن أن هناك أعذب حديثًا صنعه البشر من صنوف الأدب شعرًا كان أو نثرًا أو حتى سردٌ قصصي ، فمنذ بدايات البشرية وللشعراء والكتّاب مكان ومكانة ونصيبٌ من قلوب الناس ، حتى أن الشعراء في بعض العصور كان لهم دور هام في تغيير معالم الحياة السياسية والعلاقات بين الأمبراطوريات والدول و الدويلات و الأمصار ، وقد كان للشعر وفنون الأدب شأن كبير حتى أن بعض القبائل في الجاهلية كانت تحتفل وتُقيم المآدب وتُحيي الليالي حين يظهر في القبيلة شاعر ، بل يصل الحد درجة المُباهاة والفخر ، كيف لا وشأن الشعر خاصة والأدب بشكل عام آنذاك عظيمًا ، يرفع شأن الأفراد أو القبائل ويخسف بآخرين .
ويبقى الأدب عبر العصور لُغة أنيقة خالدة تتوارث الأجيال الجيد منه أعوامًا طويلة دون أن يبلى أو يفنى ، فالشعر الذي قيل قبل مئات السنين لايزال يُردد ويُغنى حتى يومنا هذا لعذوبته وغزارة معناه ، وهنا تكمن براعة بناء الرسالة الأدبية واستشعار الكاتب أو الشاعر لمسئوليته تجاه الإنسانية على المدى الطويل ، فما يُكتب ليس فقط محتوى أدبي بل رُبما يكون مرجعًا تربويًا أو ثقافيًا أو تاريخيًا ، وكم من أبيات شعر كانت بمثابة الدليل أو الخيط الرفيع الذي قاد المهتمين لحقيقة غائبة ، وضمن الدلائل على حظوة الشعر في بعض العصور أنه كان مصدر رزق وربما باب ثراء للشعراء لاسيما عند السلاطين والملوك والخلفاء المهتمين بالشعر .
واليوم وتحديدًا بعد مئات السنين على العصر الذهبي للشعر العربي الفصيح البليغ ، لازال الشعر مستمرًا والشعراء يتكاثرون ، ولكن العمق الشعري والرسائل الشعرية التي تجمع بين المعنى والمغنى أصبحت غائبة ، نعم هناك قصيدة مكتملة الأركان وشعراء يُجيدون بناءها ، ولكن طعم القصيدة اختلف كثيرًا وتاه الكثير منها ما بين اقتباس مؤسف أو تصفيف مُمل ، بعد غياب الإبتكار في الفكرة والعمق الشعري المتمثل في ما وراء بيت القصيد الذي كان يميّز شعر فحول القصائد في وقت مضى ، حتى أن المتتبع للشأن الأدبي سيرى الفرق خلال العشرين عام التي مضت والعشرين عام التي سبقتها ، فلا تكاد ترى قصيدة سيتم تصديرها للسنوات القادمة كما وصلت لنا قصائد المتنبي وشعراء جيله ، أو كما وصلت قصائد ابن جدلان وأحمد الناصر وغيرهم الكثير من عمالقة المعنى والعذوبة ، وكل ما نرجوه أن لايكون الشعر يعيش آخر أيامه على أيدي شعراء كل ما يعنيهم أن تُسبق أسمائهم بلقب ( شاعر ) جعل من الشعر سلة يجمع بها ما يستطيع من المال ، دون اعتبار للتاريخ الشعري الذي سيخلده في ذاكرة الأجيال ، مع كل الإحترام للشعراء القلة ممن سطعت كلماتهم في سماء الإبداع ولانزال نعوّل عليهم الكثير من أجل النهوض بالقصيدة التي تسمو بالذائقة وتغذّي الشعر بروح الشعر .
همسة:
لاتفسدوا لذة الشعر بسطحية الطرح .
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020