||
ضيف الله نافع الحربي
في مهب الحياة صمدت الكثير من القيم ، وثبتت الكثير من المبادئ ، وسلكت الأحلام طريقها بثقة تتحدى رياح الإحباط والتثبيط ، لأن خلف كل هذا أشخاص مُزجت قناعاتهم بإرادة صلبة لا تنحني لظروف ولا تسقط بالعثرات وإن حدث وسقطت استمدت الوقوف مجددًا من الدعاء والنظر إلى السماء والثقة بالذات المُشتعلة بالهمة ، ثم أن القناعات الثابتة والأهداف الواضحة والتخطيط الذكي القائم على القراءة الصحيحة لما قبل وما بعد جميعها تساهم في صناعة إنسان التحدي الذي يُجيد الوقوف والثبات حين يهتز كل ما حوله ، وتعصف الحياة بأولي الوهن الذين أنهكتهم مبادئهم الهشة وطموحهم الهزيل ، لا سيما أن كثرة السقوط من حول الإنسان أمر غاية في الرعب وقد لا يصمد أمامه إلا القليل من الناس . وفي مهب الحياة أيضًا شاخت الكثير من الوجوه قبل أوانها ، وانتشر الذبول المبكر حتى أصبحت ثقافة الخريف جزء من أرواح الكثير من المستسلمين للظروف وللعقبات والعثرات ، فتزايدت الحالات الإنسانية التي تعاني الأمراض النفسية ما بين اكتئاب ورهاب وانطواء ويأس ، وكأن مصابيح الحياة قد انطفأت في طرقاتهم وأقدامهم قُيدّت بأثقال وهمية لا أساس لوجودها سوى أنها ردة فعل سلبية للإستسلام الذي ألقى بهم في الدرك الأسفل من اليأس والإحباط .
و في الحياة أيضًا أشخاص أنهكتهم وعثاء التفاصيل وعصفت بهم الهموم وتباعدت المسافات بينهم وبين ما يُريدون وكأن نصيبهم هو النقيض لأحلامهم وما يتمنون ، لكنهم مع هذا يبتسمون ويضحكون ويفرحون ويحبون ، وكأن أثقالهم قد حملتها ملائكة الرحمة فأصبحوا خِفاف وكأنهم الطيور المحلقة بالغناء وإن لم تجد حتى قوت يومها ، لأنهم أدركوا جيدًا أن ما يحدث لهم ليس إلا قدرٌ عليهم مقابلته بالرضا مُتسلحين بالأمل ينظرون للقادم بأنه موعد للجميل القادم الذي طال انتظاره وقد لا يأتي تمامًا لكنه سيبقى على قيد الأمل الذي يرتفع في أرواحهم يومًا بعد آخر .
إن الحياة التي نعيشها مهما بلغت من الجمال لن نشعر به ولن نتذوقه ونرتوي منه مالم نشكره لمن وهبه ، ونتعامل معه أنه قابل للزوال وإن ما بعده وإن كان أقل سيكون جميًلا ، لأن ثبات القناعة في الأرواح وقاية من النظر بعين فارغة لا يروق لها شيء وإن علا في مكانته وقيمته ، لذا نجد أن من يسقطون في مهب الحياة وتبعثرهم رياحها العاتية خلت أرواحهم من القناعة الراسية التي تثبت بها الأقدام حين تهب رياح الحياة .
همسة :
كل شيء في حياتنا جميل .
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020