||

الإرجاع القسري للماضي

8 ديسمبر، 2021

ضيف الله نافع الحربي

 

مُجرد فنجان شاي كان يجتمع حوله البسطاء يرتشفونه بلذة الباحث عن ( تعديل المزاج ) كما يحلو لهم وصفه ، وتدور على إيقاعه ( السوالف ) الخفيفة التي لاتخلو من الطرفة والبساطة ، لا يقطعها سوى صوت ( الفناجين ) وهي تضرب بعضها البعض بين أصابع من يمررها للضيوف أو رلواد المقاهي التي كانت تجمع الناس مع نهاية يومهم المُنهك وهم يقضون جُله بحثًا عن الرزق لتوفير ( قوت اليوم ) وهو حلم أولئك البسطاء الذي لايملكون سوى أحلامهم وقليلٌ من المال ، مرت الأيام وتقلصت الحياة البسيطة وتم ترقية الكثير من البسطاء بأمر الحياة وتغيراتها ليصبحوا أكثر تكلفًا وبالتالي ازدادت حياتهم تعقيدًا وتوسعت أحلامهم ولم يعد ( لفنجان الشاي ) المتعة المعهودة حين كانت الأرواح البسيطة بخير ، وهذه هي سنة الحياة لاشيء يبقى على حاله و كل شيء يتغير وربما يندثر ثم يُصبح الحنين إليه أشد وقعًا على النفس التي تلتفت كثيرًا إلى الماضي ، ما جعلنا نشهد في الفترة الأخيرة عودة ملحوظة ( للقديم الساكن قلوبنا ) فعادت بعض المقاهي القديمة وعاد ( البراد أبو أربعة ) بلونه الأبيض والزهور المنقوشة عليه ، و أصبحت صناعة الأواني المنزلية بنقوش الأواني قديمًا تجارة رائجة وباهضة الثمن والإقبال عليها يعادل شغف الأرواح المتعطشة للحياة البسيطة .

ولكن هل سيكون الإرجاع القسري للماضي فاعلًا ؟ وهل سيروي متطلبات الجيل الذي عاش تلك الأيام ، أم أنها مُجرد محاولة بائسة لهزيمة الحاضر ، أم أنه ذكاء تجاري لتسويق الحاضر بثوب القديم وكأنها خدعة بصرية ، جميع الاحتمالات واردة ، وفي ظني أنها عودة رائعة وأكذوبة لذيذة علينا أن نُصدقها لنستمتع بها ، جميل أن نجد مقهى قديم يحاكي ما كان في الماضي ، جميل أن نسمع صوت الراديو بمقاطعه وبرامجه القديمة يصدح في أرجاء المقهى لُيطرب أسماع رواده الذين يجلسون على كراسي الخشب أو تلك المصنوعة من الحبال ، وكم هو رائع أن تنتشر هذه الأماكن لتشمل كافة المدن والأحياء وحتى القرى ، وما يُسعد عشّاق الماضي وأظني منهم أن هناك أماكن رائعة واستثمارات نوعية في هذا المجال شاهدتها في عدد من مناطق المملكة ومنها المدينة المنورة التي بدأ البعض يستثمر مزارع النخيل لإنشاء مثل هذه المشاريع التي تعيدنا للماضي وتحاكيه بجودة الحاضر ، وكذلك في جدة والطائف والرياض هناك توجه ملحوظ لمثل هذه المشاريع التي تلبي احتياج فئة كبيرة من المجتمع ، وفي الوقت ذاته هي تؤدي واجب ثقافي من خلال الحفاظ على العلاقة بين الحاضر والماضي حتى لا يُبتر القديم بيد النسيان والإندماج مع الحديث .

همسة :

نحن جزء من الأشياء الجميلة أينما كانت .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

رأي المصداقية

1 يناير، 2021
رآي المصداقية

  كان حلما يراودنا منذ...

كتّاب المصداقية

23 أكتوبر، 2025
نصفك الأسود

ضيف الله نافع الحربي  ما...

15 أكتوبر، 2025
من جدة إلى كأس العالم

ضيف الله نافع الحربي  من...

9 أكتوبر، 2025
أخطر العقود “أنا وأنت معًا”

ضيف الله نافع الحربي  رابط...

2 أكتوبر، 2025
اقرأ لتكبر

ضيف الله نافع الحربي  لا...

أوراق أدبية