||
الكاتب : ضيف الله نافع الحربي
أفغانستان الأرض الحبيسة بين الجبال والمسرح الأكثر دموية خلال العقود الأربعة الماضية حيث كانت الحروب جزء لايتجزأ من تاريخ هذا البلد الصلب النازف دون توقف ، وصف ابن بطوطة أهله بالقوة والجسارة والبأس الشديد “، وربما ساهمت تضاريس بلادهم الوعرة وتعاقب الحروب و النزاعات في إضفاء طابع القسوة على سلوكهم وقراراتهم وتعاملهم مع الأحداث المتعاقبة التي مرت بها بلادهم ، توشح البلد صفة الجمهورية الإسلامية وأعلن فيه الجهاد قبل ٤٠ عامًا مضت فهب المسلمون من كُل مكان نُصرة لهم ضد العدوان السوفيتي آنذاك وحقق أهدافه بإذن الله ، ولكن مابعد ذلك كان مغايرًا لما قبله حيث تغيرت الأهداف وتوسعت الأطماع وتوحشت العقول بالغلو والتشدد وتحريف مفاهيم الإسلام السمحة حين ولد الإرهاب على أرض أفغانستان فشوّه الإسلام وسفك دماء المسلمين في أنحاء العالم حتى أرض الحرمين لم تسلم من خلاياه المنتسبة للقاعدة قبل أن يضع المجتمع الدولي حدًا لفوضى هذا البلد بتكوين التحالف الذي نجح في قتل رأس الإرهاب ابن لادن ليتنفس بعدها أفغانستان الصعداء وتعود الحياة لـ طبيعتها إلى حدٍ ما على مدى ٢٠ عامًا ، قبل أن يتفاجأ العالم بإنهيار الدولة وعودة الحركة الأكثر عنفًا لتتولى السلطة في بلد لم تتوقف جراحه عن النزف ، وسط حلقة مفقودة و تساؤلات حائرة ذروة سنامها لماذا رفعت أمريكا يدها عن بلد قد يعود معقلًا للإرهاب ؟ و ماذا بعد ؟
وإن لم يُصدّق ماحدث إلا أنه هو الواقع فحركة طالبان تُسيطر على كامل أفغانستان الآن ، وتُمسك بزمام الأمور والقرار ، وليست المرة الأولى التي تتصدر هذه الحركة المشهد السياسي هناك ، لكن الوضع اليوم مختلف تمامًا عما كان عليه من قبل وأقوى عوامل الإختلاف أن المواطن الأفغاني اليوم ليس هو أفغاني ماقبل ٢٠ عام ، وقد بدأ يتنفس الحرية ويعرف حقوقه الإنسانية فمن الصعب للغاية إرضاخه للأهواء السياسية المتشددة أو القناعات الشخصية لقادة الحركة ، مايجعل القيادة الجديدة في أفغانستان أمام خيارين إما بناء دولة مدنية حديثة تندمج مع العالم وتتشارك معه الحياة التي تقوم على الإنسان ، وتعيد بناء ما أفسدته العقول المتوحشة لتعود أفغانستان كما كانت قبل حقبة سفك الدماء وتقييد الحريات بالقوة ، وإما أن تستعد لكتابة نهايتها على يد ما يقارب من ٤٢٪ ممن هم دون سن العشرين عامًا والذين لايعرفون سوى الحياة بعيدًا عن أهواء من يُريد المزيد من الموت لبلد كسائر البلدان لاتليق به سوى الحياة .
همسة :
لا أظن أن تاريخ الدماء سيعيد نفسه ، و رُبما نكون على موعد مع أفغانستان جديد يتنفس الحياة .
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020