||
ضيف الله نافع الحربي
من باب الثقة كنت أعتقد أني جيد الحفظ ، وأني أمتلك ذاكرة يُعتمد عليها عند الحاجة ، وحتى لحظة كتابة هذه المقالة أحاول تجاهل حقيقة أن الذاكرة الطبيعة للإنسان أصبحت ذات مساحة لاتحتفظ إلا بالقليل من المهام التي من المفترض أن تكون أولوية ، وبقليل من التتبع المتطقي الكشف الدقيق والمكاشفة الصامتة بيني وبين ذاكرتي وجدت أن جهازي الذكي الأبكم يحفظ ( أكثر من ٥٠٠ رقم كل رقم يتكون من ١٠ خانات ) بينما ذاكرتي لاتحفظ من ذلك الكم سوى ( أربعة أرقام هاتفية ) ، وجهازي المحمول يحتفظ بمقالاتي وتدويناتي وكتاباتي بينما ذاكرتي اكتفت بالاحتفاظ ببعض العناوين وقليل من التدوينات المقتضبة التي لا تتجاوز السطر والسطرين ، تنبهت حينها أن ذاكرتي تعيش استرخاء تسبب فيه الاعتماد على الذكاء التقني الذي قام بدور عقولنا ونحن نسرح ونمرح بذاكرة شبه خاوية لا تحمل إلا القليل مما نحتاج .
كان والدي رحمه الله وأموات المسلمين وغالب جيله من الطيبين يتمتعون بذاكرة نشطة قوية مكنتهم من الحسابات الذهنية السريعة والدقيقة ، وحفظ القصائد الطويلة التي تمتد لعشرات الأبيات ، إضافة للأحداث وتفاصيلها الدقيقة والتي مر عليها عشرات السنين ، والسبب الذي يُبطل العجب أنهم اعتمدوا اعتمادًا تامًا على الذاكرة الطبيعية للإنسان وأدركوا قيمتها واحتياجهم لها حتى أدت دورها الحقيقي آنذاك ، فكانوا كما عرفناهم أذكياء يتمتعون بصفاء الذهن وقوة الحفظ حتى وهم في عمر متقدم تجاوز بعضهم عمر التسعين وهو يتمتع بذاكرة قوية .
وبقدر سعادتي بالذكاء التقني الذي ( عزنا ورزنا ) وجعل منّا دهاة نحتفظ بما لا يحتفظ به داخل أجهزة صغيرة الحجم باهظة الثمن ذات أهمية بالغة ومصيرية لنا ، إلا أني أتألم حين أجد أن ذاكرة الكثير منّا تتوكأ على عكّاز وهي في عمر العطاء ، وما هذا إلا مؤشر جلي وإشارة واضحة أننا بحاجة للقراءة والحفظ الطبيعي والاعتماد على ذاكرة الحفظ بقدر اعتمادنا على المساحات الإلكترونية التي أصبحت تحتفظ بكل ما يخصنا ويخص أعمالنا وكتاباتنا ، وأضعف الإيمان حفظ الأشياء المهمة التي لاغنى عنها فذاكرة الأجهزة قد تفنى بلحظة ، ونبقى بلا ذاكرة .
همسة :
احفظ واحتفظ واجعل من ذاكرتك سلاح تواجه به اخفاقات التقنية .
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020