||
هاجر عبد الرحمن القايدي
انتشر إعلان ترويجي من هيئة التخصصات الصحية بعنوان “ممارس عن ألف” يحكي خلاصة الثقافة المؤسسية داخل هيئة التخصصات الصحية وهي لاعب عظيم في القطاع الصحي في المملكة. رسالة الإعلان هي شرعنة التمييز المؤسسي، تحويله من ثقافة مؤسسية سامة إلى ثقافة مؤسسية هامة ومقبولة.
١-فحوى الإعلان
“تم اختيارك كممارس عبر إجراءات مشددة، تم رفض الآلاف وحصلت أنت على الرخصة، عبرت الحواجز وتحمل الآن رخصة نخبوية، أنت من النخبة النقية لأن صحة الإنسان مهمة” وباقي البشر جوييم.
على مستوى فردي، هذه تذكرة العبور الراقص نحو الاحتراق، لأنها تكثف نزعة الكمال والشعور بالعار و الخوف من احتمالات الخطأ بعد هذا الانتقاء النخبوي، وهذي السمة تحديدا هي سبب كبير لتأخر القطاع الصحي عن القطاع الهندسي الصناعي مثلا، يسود هذا النمط من التفكير المرعوب من الفشل في القطاعات الصحية حول العالم بنسب متفاوتة.
قارن ماثيو سيد في كتابه “تفكير الصندوق الأسود” بين طريقة مواجهة الكوارث والأخطاء الإنسانية-الفشل-بين قطاعي الصحة وهندسة الطيران، هناك فارق واحد بين القطاعين؛ المهندسون اخترعوا صندوقا أسودا لسماع كافة تفاصيل (الفشل)، تفاصيل سقوط الطائرات، تفاصيل مسجلة ومرعبة لتحليل الكارثة ومن ثم إجراءات تجنبها، وهذه الإجراءات هي ما يجعل الطيران آمنا اليوم.
في المقابل لا يمكن أن يواجه القطاع الصحي الفشل بذات الشجاعة، أن يستمعوا لتفاصيل أخطائهم الذاتية لأن دور البطل الذي حصل على أعلى معدل وأرقى جامعة وأفضل قبول سيهتز، ولذلك تزيد الأخطاء البشرية الإدارية في القطاع الذي كل من فيه بطل نخبوي وغير قابل للتفاوض والنقاش والمراجعة.
تقول دراسة على ٧٠٠٠ ممرض وأكثر أنهم لا يستطيعون التحدث لو رأوا زميلهم يخطئ فيما يخص المريض، يعني هذا-جزئيا- أن المجتمع الطبي يبالغ في الإشعار بالعار من الخطأ ونشر السمعة الطبية المدمرة على حساب صحة المريض.
علينا أن نتذكر أن أفضل أداء تاريخي لوزارة الصحة كان بقيادة الدكتور توفيق الربيعة- دكتور علوم الكمبيوتر والحاسب.
٢-الثقافة المؤسسية
“كان يكتب على باب المذنب من بني إسرائيل ذنبه وكفارة ذنبه”، ومن الأبواب يمكنك الاستدلال على الكثير مما خلفها، حاليا عندما أدخل أي مؤسسة كخبير علم نفس تنظيمي أستطيع الحكم من بوابة المؤسسة على ثقافتها الداخلية السائدة، يهمني أن أهدم هذا الحكم الأولي ببحث داخلي وأدلة وقلما ينهدم.
وبدلا من كتابة الذنوب على الأبواب، يستخدم المجتمع الوظيفي طريقة مشابهة للإيلام بشعور العار، الإشعار بالعار هو أقسى عقوبة للإنسان ويمارسها المجتمع كل يوم على بعضه، إشعار الموظفين أو المدراء لبعضهم بالعار عند الخطأ قد يكون في بعض قطاعات الصحة أسلوبا إداريا سائدا يضعف الحافز للأداء والابتكار، لأن المؤاخذة على الخطأ شديدة والتسامح مع عدم الأداء تماما أكثر من التسامح تجاه المحاولة.
قد يقولون كل شيء في ميثاق المؤسسة وقيمها ولا يطبقون أي شيء منها، يقولون كل شيء إلا الحقيقة والحقيقة موجودة عند الموظفين الأقل رتبة قبل الأعلى رتبة، ثقافة المؤسسة ليست ما تقوله عن نفسها وليست معلقة على الجدران، الثقافة روح تفوح مثل البخور من مكتب قائد المؤسسة، من هناك تنتشر ابتداء ومن هناك تتغير انتهاء ويالطول طريق التغيير بلا إرادة حديدية ورضوخ عند قدمي الواقع بلا تحيزات.
٣-على ماذا أعترض الآن؟
على مبدأ قيمة الإنسان، قيمة شخص بألف شخص، على العبء الذي يشقي الممارسين ويرميهم للاحتراق بلا رحمة، بعد كل هذا الشقاء لن تعامل كملك بل ستدخل تنور القطاع الصحي الذي هو جزء من التنور الاقتصادي والاجتماعي في عصرك.
أذكر طالبا صينيا قدم لنا عرضا عن “متلازمة الإمبراطور الصغير “، وخلاصتها هي أنه كيف أدت سياسة الطفل الواحد في الصين إلى تدمير حياة الطفل-أحيانا-، فالطفل الوحيد سيعاني من توقعات والديه العالية مع الدلال المكثف ويعتقد أن القوانين لا تنطبق عليه، فهو يستحق معاملة مختلفة بغض النظر عن السياق الاقتصادي والاجتماعي.
يحدث مثل هذا في القطاع الصحي، التوقعات الاجتماعية منذ الطفولة تثقل عاهل الممارس البالغ، تصعب التعاون بين أعضاء القطاع، إذا كنا جميعا رؤساء فمن هو المرؤوس؟ إذا لم نستطع التفاوض من منطلق متساوي في المشكلات كيف يمكن أن نتجاوزها؟ إذا كانت الممرضة الخبيرة لا يمكن أن تكون قائدة لفريق طبي فمن يكون؟ هل الهرمية القائمة على الشهادات تلغي الكفاءات الشخصية للقيادة؟ إذا كان دخل المشاهير أعلى هل هذه إساءة للطبيب؟
كل اعتر اضي هو أن هذه المفاهيم سامة للبيئة الصحية وبالتالي سامة لحياة وصحة وسلامة المرضى.
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020