||
فاطمة الشهري
@AlshehriFatmah0
الطفولة ليست مجرد مرحلة عابرة في رحلة الإنسان، بل هي الأساس الذي تُبنى عليه شخصيته، وقيمه، وصورته عن نفسه والعالم من حوله. قد نكبر، نتعلم، ننجح، ونقف على منصات الإنجاز، لكن الجراح التي تُترك فينا ونحن أطفال تظلّ ترافقنا في صمت، كظلّ طويل لا يختفي مع تغيّر الفصول.
الجراح ليست دائماً صريحة أو واضحة؛ قد لا تكون ضربة أو إهانة مباشرة، بل نظرة استهزاء، أو كلمة محبِطة، أو شعور مستمر بالإهمال. الطفل الذي لم يُستمع له جيدًا، أو لم يُمنح مساحة آمنة للتعبير عن خوفه، أو الذي عانى من مقارنة مستمرة بغيره، يحمل داخله ندوبًا قد تظهر لاحقاً في صورة قلق، هشاشة في العلاقات، أو حتى اندفاع مفرط نحو الكمال لإثبات الذات.
المؤلم أن الطفل لا يمتلك في تلك المرحلة أدوات الدفاع أو الوعي الكافي ليُدرك أن ما يحدث له ليس ذنبه. فيتسرّب الألم إلى أعماقه، ليشكّل أساسًا صلبًا لبعض المعتقدات السلبية عن نفسه: “لست كافيًا”، “لا أستحق الحب”، “يجب أن أُرضي الجميع كي أُقبَل”. هذه الأصوات الخفيّة قد تلازم الإنسان حتى كهولته.
لكن، وبينما لا أحد ينجو تمامًا من جراح الطفولة، يمكن للإنسان أن يختار كيف يتعامل معها. الاعتراف بالجراح هو الخطوة الأولى؛ مواجهة تلك الذاكرة لا تعني اجترار الألم، بل تعني منحه اسمًا واعترافًا كي يفقد سلطته الخفية. ثم تأتي مرحلة إعادة بناء الذات، عبر العلاج النفسي، أو التأمل، أو حتى الكتابة ومصارحة النفس. الأهم أن نمنح أنفسنا ما حُرمنا منه يومًا: الإصغاء، التقدير، والرحمة.
إن إدراكنا أن الجراح جزء من قصتنا لا ينتقص منا، بل يمنحنا فرصة لتحويل الألم إلى قوة، والحرمان إلى حافز، والضعف إلى تعاطف مع الآخرين. وحين نتصالح مع ماضينا، لا نمحو الجراح، لكنها تتحول من ندوب مفتوحة إلى علامات نضجٍ وحكمة.
فلا أحد ينجو من جراح الطفولة، لكن كثيرين ينجحون في تحويلها إلى طريقٍ للنمو، بدل أن تبقى قيدًا يعيق خطواتهم.
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020