||
عمرو عادل بسيوني – AABASUONY@
في زمنٍ تتسابق فيه الأندية خلف العناوين البراقة وتتغذى على الضجيج الإعلامي، اختار نادي الاتحاد أن يكتب تاريخه بلغة مختلفة، لغة لا تعتمد على الشعارات، بل تُبنى على أسس العمل الحقيقي والانضباط الإداري، فكانت بطولاته الأخيرة تتويجًا لرؤية مؤسسية ناضجة، تُدار بحكمة وتُنفّذ بتخطيط استراتيجي واعٍ، بعيدًا عن العشوائية وردّات الفعل السلبية . فالإنجازات والبطولات لم تكن مجرد ألقاب تُضاف إلى خزانة العميد ، بل كانت انعكاسًا لمنظومة إدارية تؤمن أن الطريق إلى القمة لا يُصنع على ورق الأمنيات ولا يُنال بالرغبات وحدها ، بل يُرسم بخطى محسوبة وقرارات متزنة، تقوم على قناعة راسخة بأن التخطيط المؤسسي ليس ترفًا تنظيريًا، بل ضرورة لأي كيان يسعى إلى البقاء قبل التفكير في الصعود. وقد تميز هذا التخطيط بتحديد المسار والرؤية، مع توزيع الأدوار بدقة، ومراعاة التوازن بين الطموح والواقعية، ضمن مسار واضح تتصف خطواته بالثبات والمرونة معًا، بما يتيح التكيف مع المتغيرات ومواجهة الأزمات، وهذا ما قد وضحه أحد أبرز المفكرين والمهتمين بالتخطيط الاستراتيجي الإداري وهو “بيتر دراكر” في حديثه عن التخطيط بأنه لا يعني التنبؤ بالمستقبل بل الاستعداد له، وهذا ما قد تجلى بوضوح في تجربة إدارة نادي الاتحاد ؛ حيث اتسمت هذه التجربة بالهدوء والفعالية، بعيدًا عن الاستعراض الإعلامي والمبالغات المُفرطه ، فجاء العمل دقيقًا ومنضبطًا ؛ فلا خبر يخرج قبل أوانه ، ولا صفقة تُعلن قبل إتمامها ، ولا أزمة تتسرب تفاصيلها ، مما عكس منظومة متكاملة تُشبه خلية النحل ، تعمل بصمت وانضباط، في وقتٍ اعتادت فيه بعض الأندية أن تُدار وتعتمد على التصريحات والمبالغات الإعلامية دون جهد واضح ولا عمل متقن ، فهذا التميز الإداري لا يتحقق بالعشوائيةولا يمكن أن يكون وليد اللحظة بل هو نتاج تخطيط أداري متكامل ، وثمرة لقناعة بأن الإنجاز لا يحتاج إلى ضجيج بل إلى نتائج ، وأن العمل الحقيقي لا يروَّج له بل يُرى أثره ، ولا يمكن أن نغفل عن التواصل الإداري المُباشر والفعال والذي يتضح في عدم انعزال الإدارة عن اللاعبين والجهاز الفني والموظفين ؛ حيث كانوا حاضرين متابعين وموجهين ومستمعين ضمن بيئة تحكمها الشفافية واحترام الأدوار، مما ساهم في بناء ثقة داخلية مكّنت الجميع من العمل دون ضغوط جماهيرية مشتتة، فالعمل كان جماعيًا متناغمًا، تحركه رؤية واضحة ومشروع متكامل ؛ أثبت للجميع أن العمل المؤسسي الرياضي لا يتعارض مع عاطفة الجمهور بل يقودها نحو النضج، فالإدارة لم تغفل أهمية الجماهير، لكنها في الوقت ذاته لم تسمح لصوت المدرج أن يتحوّل إلى عامل ضغط يُربك القرار أو يُشوّش الرؤية، لأن الجمهور الواعي يُدرك أن البطولات لا تُحسم بالعاطفة، بل بالعمل والانضباط، وبذلك اختار النادي أن يُكافئ جماهيره بالفرح لا بالوعود، وبالنتائج لا بالتصريحات
إن ما قدمه نادي الاتحاد في هذه المرحلة يُعد نموذجًا يُحتذى به، ليس فقط في المجال الرياضي، بل كحالة تنظيمية مؤسسية ناجحة تُجسد مفاهيم الحوكمة الإدارية ، وتُدرك أهمية النظام المؤسسي، وتُؤمن بأن غياب النظام لا يعوّضه أي مجهود فردي. ويكفي أن نستحضر مقولة “جيف بيزوس”: (النجاح لا يكمن في إرضاء الجميع، بل في الوفاء بالوعود التي تُقطع خلف الأبواب المغلقة). وبذلك أثبت الاتحاد أن العظمة لا تكمن في الشعارات، بل في التفاصيل، في الانضباط، في كواليس العمل، في احترام التخطيط، وفي الصمت حين يكون الإنجاز هو اللغة الوحيدة المسموح بها. فلم يكن ذلك محض صدفة، بل نتيجة طبيعية لمنظومة آمنت بأن الفعل أبلغ من القول، وأن القيمة الحقيقية للعمل تظهر حين يُنجز بصمت، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي والاستعراض الكلامي. فالاتحاد لم يكن بحاجة إلى ترويج، بل إلى تحقيق. لم يبحث عن الأضواء، بل مضى نحو أهدافه بثقة واتزان. لم يرفع الشعارات، بل ترجمها إلى واقع. وهكذا، حين حضرت النتائج، تحدثت عنهم أعمالهم، لا تصريحاتهم، وتكفلت أرقامهم بالصدى الذي يعجز عنه أي ضجيج. فقد أدركوا أن البطولات لا تُمنح لمن يطالب بها، بل تُنتزع على أرض الواقع بجهود الإدارة ، وتُروى بإخلاص اللاعبين ، وتترسخ بثقة ودعم الجماهير
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020