الكاتبة / هويدا المرشود 

ليست اللغة وسيلة نقل… إنها اختبار.

كل كلمة تخرج منك تُعلن نسبك العقلي، ومدى شرعيتك في مملكة الرأي.

لهذا لا يكون اللحن مجرد خطأ صوتي، بل شهادة نُقصٍ في بنية التفكير نفسه.

حين يلحن المتكلم، لا يعثر لسانه، بل تتعرّى هندسة منطقه.

الخطأ في البنية النحوية ليس انعكاسًا لتقصير في حفظ القواعد، بل دلائل خفية على فوضى في ترتيب الداخل، كأن الفكرة ذاتها وُلِدت بقدمين معكوستين.

اللحن لا يشوّه المعنى… بل يفضحه.

لأن اللغة هي الطريقة التي يمشي بها العقل في العلن، فإذا عرَجتَ بها، رأى الناس علّتك دون أن تقصّ عليهم شيئًا.

إن المتكلم حين يلحن، لا يُساء فهمه؛ بل يُفقد احترامه.

ليس لأن الناس متغطرسون لغويًا، بل لأنهم يعرفون بالفطرة أن من يسيء ترتيب الجملة، غالبًا يسيء ترتيب الأولويات، ويسهُل خداعه أو جرّه، أو تركه دون اعتبار.

ليس النحو ترفًا، ولا البلاغة زينة.

المنطق نفسه يعتمد على بنية لغوية سليمة، وإلا سقط مثل أي بناء يستند إلى أعمدة مائلة.

من يكتب ملحونًا، يفكّر بشكل غير آمن. ومن يتكلم بلا ضبط، يفكر بلا ترسيم حدود.

الفكرة الجيدة قد تنجو من النسيان، لكنها لا تنجو من السخرية إن وُلدت على لسانٍ أعرج.

وهذا هو الموت الحقيقي لها: أن تُعرض في سوق الأفهام، فيراها الناس رديئة لا لضعفها، بل لعجز حاملها عن نطقها بحقّها.

هل تعرف ما هو أسوأ من الجهل؟

أن تحمل فكرةً عظيمة، وتعجز عن حمايتها لغويًا.

أن تنهض لتخطب، فيعلو في ذهنك المعنى، ثم يسقط صوتك في أول فاصلة ملحونة، فتتحوّل من مفكّر إلى نكتة.

وما أكثر النكات التي ظنّت نفسها قادة رأي.

::

اللحن ليس خطأ في الكلمة، بل خلل في سلطتك على الفكرة.

وليس سقوطًا في النحو، بل سقوطًا من نظر من كانوا يظنونك أعلى.

اضبط لسانك، لا لأجل اللغة، بل لأجل الهيبة التي تبنيها بها.

ففي زمنٍ تُستهلك فيه المعاني، يبقى الانضباط اللغوي هو الترف الوحيد الذي لا يستطيع ادّعاءه إلا من احترم فكره حقًا.