||
الكاتبة / صالحة الحربي
الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثل أحد أكثر مجالات التكنولوجيا إثارةً وإبداعًا في العصر الحديث، حيث لم يعد دوره يقتصر على تحليل البيانات أو تنفيذ المهام الروتينية، بل أصبح قادرًا على إنتاج محتوى جديد بالكامل، يشمل الفن والموسيقى والكتابة بطرق لم يكن يتخيلها الإنسان قبل عقود. يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على الشبكات العصبية العميقة، وخاصة نماذج مثل “GANs” (الشبكات التوليدية التنافسية) و”Transformers” (المحوّلات)، التي تستطيع التعلم من كميات هائلة من البيانات لإنشاء أعمال جديدة تحاكي الإبداع البشري.
في عالم الفن، أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على إنتاج لوحات رقمية بأساليب متنوعة تحاكي أعمال الفنانين الكبار أو حتى تبتكر أنماطًا جديدة بالكامل. من خلال تحليل ملايين اللوحات والرسومات، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل “DeepArt” و”DALL·E” إنتاج صور مذهلة بناءً على أوصاف نصية بسيطة. لم يعد الإبداع الفني حكرًا على البشر، حيث يمكن لهذه النماذج إنتاج أعمال تجمع بين عناصر مختلفة بأساليب مبتكرة وغير متوقعة، مما يفتح آفاقًا جديدة في التصميم والفن الرقمي.
أما في الموسيقى، فقد تمكن الذكاء الاصطناعي من تجاوز مجرد التلحين العشوائي ليصبح قادرًا على تأليف مقطوعات موسيقية تحاكي أساليب كبار المؤلفين الموسيقيين. تستخدم أنظمة مثل “AIVA” و”Magenta” التعلم العميق لتحليل أنماط الألحان والإيقاعات، ثم توليد مقاطع موسيقية تتسم بالانسجام والجمال، مما يجعلها أداة مفيدة للملحنين والفنانين الذين يبحثون عن الإلهام أو حتى تعاون مباشر مع الذكاء الاصطناعي في إنتاج موسيقى أصلية.
في مجال الكتابة، أحدث الذكاء الاصطناعي التوليدي ثورة غير مسبوقة. أنظمة مثل “GPT-4” قادرة على تأليف مقالات وقصص وروايات وحتى سيناريوهات أفلام، مع الحفاظ على تماسك النص والأسلوب السردي. أصبح من الممكن توليد محتوى صحفي متكامل، أو حتى كتابة قصائد ونصوص أدبية تتسم بالإبداع والعمق. مع ذلك، لا يزال هناك تحدٍّ جوهري يتعلق بقدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج نصوص تحمل بُعدًا فلسفيًا أو رؤية إبداعية فريدة، حيث يعتمد بشكل أساسي على الأنماط المستمدة من البيانات التي تدرب عليها.
رغم الإمكانات الهائلة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجالات الفن والموسيقى والكتابة، فإنه يثير تساؤلات أخلاقية حول حقوق الملكية الفكرية وحدود الإبداع البشري. هل يمكن اعتبار الأعمال التي يولدها الذكاء الاصطناعي فنًا حقيقيًا؟ وهل يمكن للفنانين والكتاب والموسيقيين الاعتماد عليه دون المساس بروح الإبداع البشري؟ بينما يرى البعض أنه مجرد أداة مساعدة، يرى آخرون أنه بداية لعصر جديد من الفن التوليدي الذي قد يعيد تعريف مفاهيم الإبداع والابتكار.
المستقبل يحمل وعودًا كبيرة لهذه التكنولوجيا، فمع تطور قدرات الذكاء الاصطناعي، قد نشهد أنظمة أكثر تطورًا قادرة على التعاون مع البشر بطريقة أكثر انسجامًا، بحيث تصبح جزءًا لا يتجزأ من العملية الإبداعية بدلاً من أن تكون مجرد بديل. لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مبدعًا حقًا أم أنه مجرد محاكٍ بارع للإبداع البشري؟
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020