||

أصوات تقتل الإبداع

16 فبراير، 2025

الكاتبة / هويدا المرشود

ماذا لو أن ابن سينا، صاحب الريادة في الطب والفلسفة، استجاب لضغوط معاصريه وتراجع عن مفاهيمه المبتكرة التي غيرت مسار العلم؟ ماذا لو أن ألبرت أينشتاين قرر التراجع عن نظرية النسبية، متأثرًا بالاستهزاء والرفض الذي واجهته من العلماء التقليديين؟ أو أن ماريا كوري، التي أضاءت طريقاً جديداً في علوم الفيزياء والكيمياء، قررت التخلي عن أبحاثها بعد أن شعرَت بالعزلة والتشكيك؟

 

تاريخ الإنسانية لم يُكتب إلا بأيدٍ لم تخشَ العزلة، وأسماءٍ لم تبحث عن التصفيق. كل اكتشاف عظيم أو تغيير جذري بدأ بفكرة رفضها الآخرون، وكل ثورة علمية أو فكرية كانت تُعتبر في بداياتها نوعًا من الجنون.

 

الإبداع لا يولد في مناطق الأمان

 

الفكرة الجديدة ليست المشكلة، ولكن طريقة رؤيتها من قبل الآخرين قد تصبح حجر عثرة. كثيرون يقتلون إبداعهم قبل أن يظهر للنور فقط لأنهم يخشون أن يُنتقدوا أو يسخر منهم. فان جوخ، الذي رسم مئات اللوحات المبدعة، لم يبع إلا واحدة في حياته، ورغم ذلك تُباع أعماله اليوم بالملايين. نجيب محفوظ، الذي طوّر الأدب العربي، تعرض لاتهامات بالخروج عن المألوف، ولكنه نال جائزة نوبل. محمد علي كلاي، بطل الملاكمة، تعرّض للسخرية في بداية مسيرته، لكنه أصبح أسطورة.

 

الإبداع ليس في محاكاة الآخرين أو في محاولة إرضاء الجميع، بل في الجرأة على أن تكون مختلفًا. لا بد أن ندرك أن القوة الحقيقية تكمن في إحداث فرق، حتى لو كان الثمن هو العزلة.

 

كيف يقتلك رأي الآخرين؟

 

الصحافة المبدعة لا تكتب ما يريده الجمهور، بل ما يحتاجه. الأدب الحقيقي لا يعيد ما قيل، بل يطرح ما لم يُقل بعد. الفن لا يُخلق في صخب التصفيق، بل في صمت الإيمان بالفكرة، حتى إذا كانت تلك الفكرة قد تُواجه بمعارضة شديدة. لا يمكن أن تتحقق أي نقلة نوعية في العالم دون أن تقابل مقاومة من النظام القائم.

 

كم من كاتب أخفى روايته لأنهم قالوا إن أسلوبه غير مألوف؟ كم من فنان كسر فرشاته لأنه سمع أن لوحته لا معنى لها؟ كم من مبتكر قرر ترك فكرته لأن مجتمعًا ما رفضها لمجرد أنها كانت جديدة؟

 

ولكن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: كم من الأفكار العظيمة التي كان من الممكن أن تغير العالم، لم ترَ النور لأن صاحبها خاف من حكم الآخرين؟

 

قاوم.. وابدع

 

إذا كنت كاتبًا، رسامًا، مخترعًا—لا تفكر في عدد من سيصفق لك، بل في قيمة ما تخلق. لا تسأل: “ماذا سيقولون عني؟” بل اسأل: “ماذا لو لم أفعل شيئًا؟” لأن أعظم الأفكار كانت مرفوضة في البداية، وأعظم العظماء واجهوا السخرية قبل المجد. لكن، اعلم أن في كل فكرة جديدة هناك عالم غير مرئي ينتظر أن يُكتشف، وكل فكرة استثنائية كانت يومًا مجرد حلم في ذهن صاحبها.

 

المجتمع لا يُحدثه سوى أولئك الذين يجرؤون على تحطيم القيود وفتح الأفق. اليوم قد يُنظر إليك على أنك مختلف، غريب، أو حتى مجنون. ولكن غدًا، قد تكون أنت الشخص الذي يكتب تاريخ البشرية.

 

والفرق بين العادي والاستثنائي؟ الأول ينتظر الضوء الأخضر، بينما الثاني يكتب المستقبل بيديه، لا يهاب المجهول ولا يخشى الحواجز. الإبداع ليس مجرد فكرة، بل هو تمرد على السكون، وقوة دافعة نحو تغيير العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

رأي المصداقية

1 يناير، 2021
رآي المصداقية

  كان حلما يراودنا منذ...

كتّاب المصداقية

23 أكتوبر، 2025
نصفك الأسود

ضيف الله نافع الحربي  ما...

15 أكتوبر، 2025
من جدة إلى كأس العالم

ضيف الله نافع الحربي  من...

9 أكتوبر، 2025
أخطر العقود “أنا وأنت معًا”

ضيف الله نافع الحربي  رابط...

2 أكتوبر، 2025
اقرأ لتكبر

ضيف الله نافع الحربي  لا...

أوراق أدبية