||
د. طلال الثقفي -أستاذ الأدب والنقد بجامعة الطائف
قصة من العراق إلى العروس إحدى قصص المبدعة إيمان بدوي التي حوتها مجموعتها القصصية ( شروق) الصادرة عن تكوين عام 1443هـ، وهي قصة بطلها العراقي ( عمر) المنحدر من أصول إثنية، عربية من جهة الأم وفارسية من جهة الأب، كان لهذه الإثنية أثرها على ذاته وأسرته، فذاته تئن من تنمر وسطوة المجتمع بسبب أصوله، وأسرته تفتقد الانسجام جرّاء لا مبالاة والدته بمسؤولياتها تجاه زوجها وأسرتها حتى وفاته، أعقبها سفر الأسرة إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية نتيجة الحروب التي عصفت بالعراق.
وعدم استقرار الذات مكانيا واجتماعيا ولّد تجذيرا نصيا في القصة ، تحاول من خلاله الثبات والاستقرار، يتبدى هذا التجذير في استشراء الجناس في نص القصة ومناصه ، فالعنوان عبارة عن جناس ناقص( من العراق إلى العروس)، والكلمات في النص تدعم جذرا لغويا واحدا تتناسل منه مثل: نصوصك لصوصك ، والنص ينهبنا لكنه يهبنا، ورأيت أخيلة تخايلها وأسرارا تسايرها ، وشخوصي في شخصيتك….. إلخ.
حتى النصوص تتناسل من بعضها من خلال التناص ، فنرى مقولة ياقوت الحموي عن بغداد حاضرة (ما دخلت بلدا قط إلا عددته سفرا إلا بغداد فإني حين دخلتها عددتها وطنا) ، والحلم يستحضر الآية القرآنية ( ن والقلم ومايسطرون) ، وامتصاص رواية الحزام بشخوصها ودلالاتها، واجترار مقولة جورج بوش- قسرا- إبّان غزو العراق :إن العراقيين سينتظرون أمريكا بالورود.
وفي التجذير اللغوي والنصي بحث للذات عن أصول تتجذّر بها ، وتقوى بها لتستقر.
ورغم أن البطل في القصة رجل، إلا أن اللغة تخفي وراءها أنثى تحتفي بالأنوثة والكتابة، وتوظّف شخوصها من الرجال لإثبات تفوّقها، فالكاتبة تجعل الأجناس الأدبية نساء ( فالقصة القصيرة فتاة مازالت تستشرف أنوثتها في أيام البلوغ الأولى ، أما الرواية امرأة ناضجة متحفظة تمطر شفتيها قطرات من ماء زمزم، أما القصيدة فامرأة تبحث عن كأس نخبوي أورشفة نبيذ )
حتى ( سمر ) معشوقة البطل ( فمهرة تنبثق من أناملها الصهيل، تشدّ الحرف كالرسن )
وربط الإبداع بالأنوثة منح ( سمر ) مساحة تضاهي مساحة ( عمر ) في الحضور و دور في تصاعد الحدث وبناء الحبكة ، حتى أنها من صنعت لحظة التنوير في القصة .
إنها قصة بديعة مشوّقة تحتفي بالأنوثة والإبداع ، وتجعل من المختلف مؤتلفا( الإثنية)، وتتجذر بالجناس والتناص في عالم النص والمناص .
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020