||

ما الإنسان: جزء أم كيان متكامل؟

3 ديسمبر، 2024

أشواق شتيوي 

‏ASHWAG_SHETEWI@

هل هو كائن تسيره قوى خفية في أعماق لاوعيه كما تقول التحليلية؟ 

أم هو صفحة بيضاء تكتبها البيئة من حوله كما تدعي السلوكية؟ 

أم هو باحث عن معنى وجوده في عالم متغير، حرٌ لكنه غارق في المسؤولية كما تصفه الوجودية؟ أم لعلنا نجد في الإنسان مزيجًا من هذه الرؤى، لوحة معقدة ترسمها تفاعلات الفطرة والإرادة معًا؟

 

تتحدث التحليلية عن صراعات اللاوعي، حيث الرغبات المكبوتة التي تحركنا دون إدراك. 

نحن لسنا مجرد عقول واعية، بل نعيش أسرى لذكريات الطفولة وشهوات خفية، نسعى للتصالح معها عبر الحلم والفن وحتى الألم. 

في المقابل، 

تعيدنا السلوكية إلى عالم ملموس، إلى ما يمكن رؤيته وقياسه.

ترى الإنسان كائنًا يُعاد تشكيله باستمرار، كأن حياته تفاعل ميكانيكي مع محفزات بيئته، كالحجر الذي يتغير شكله بفعل الرياح والماء.

 

لكن الإنسانية لا تكتفي بهذا الاختزال، فهي تحتفي بحرية الإنسان وقدرته على تحقيق ذاته. 

هنا، يتحول الإنسان من كائن يشكل إلى كائن يبدع، يسعى لتحقيق معانٍ أعمق ويتسلق هرمًا من الحاجات يبدأ بالجسد وينتهي بالروح. 

 

أما المعرفية، فهي تذكّرنا بأن الإنسان ليس مجرد مشاعر ورغبات، بل هو عقل واعٍ يفسر العالم عبر معانٍ يصنعها. 

نحن لسنا أدوات في يد المصير، بل مبدعو واقعنا، نصوغ حياتنا من خلال الإدراك والفهم.

 

وفي خضم هذه الرؤى، تبرز الوجودية كصرخة إنسانية تمزج بين المأساة والأمل. الإنسان، 

وفقًا لها، حر بطبيعته، لكنه يعاني من عبء هذه الحرية. 

هو منفيٌّ في عالم بلا يقين، لكنه الوحيد القادر على منح حياته معنى. 

 

ليست ماهيته محددة سلفًا كما تقول المدارس الأخرى؛ بل هي مشروع يصنعه بنفسه عبر أفعاله واختياراته.

 

وأخيرًا، تذكرنا البيولوجية بأن كل هذه الرحلة الفكرية ترتكز على أرض صلبة من الدماغ والأعصاب والحمض النووي. 

الإنسان ليس كائنًا مجردًا من جسده، بل هو توازن دقيق بين كيمياء معقدة وروح متعطشة للفهم.

 

إذاً، الإنسان هو الكل: العقل والجسد، الوعي واللاوعي، الحرية والقدر. 

هو الكائن الذي ينتمي للطبيعة لكنه يسعى لتجاوزها، الغارق في المحدود لكنه يطمح إلى المطلق. 

 

في داخله تتصارع الرغبات، وتتفاعل التجارب، وتنضج الأفكار، لينسج عبر ذلك كله قصة وجوده الفريدة. هذه القصة ليست إجابة نهائية لماهية الإنسان، بل دعوة مفتوحة لكل منا ليكتبها بطريقته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

رأي المصداقية

1 يناير، 2021
رآي المصداقية

  كان حلما يراودنا منذ...

كتّاب المصداقية

23 أكتوبر، 2025
نصفك الأسود

ضيف الله نافع الحربي  ما...

15 أكتوبر، 2025
من جدة إلى كأس العالم

ضيف الله نافع الحربي  من...

9 أكتوبر، 2025
أخطر العقود “أنا وأنت معًا”

ضيف الله نافع الحربي  رابط...

2 أكتوبر، 2025
اقرأ لتكبر

ضيف الله نافع الحربي  لا...

أوراق أدبية