||
أشواق شتيوي
@ASHWAG_SHETEWI
الإنسان كائن معقد يجمع بين جوانب فطرية ثابتة وأخرى مكتسبة نتيجة لتفاعله مع بيئته الثقافية والاجتماعية.
لفهم هذا التداخل بين الجوانب الفطرية والمكتسبة، يمكننا التمييز بين مفهومين رئيسيين: الطبيعة الإنسانية الكونية و العادة الإنسانية.
الطبيعة الإنسانية الكونية تشير إلى الخصائص الأساسية التي يشترك فيها جميع البشر، بغض النظر عن الزمان أو المكان.
هذه الخصائص تشكل الأساس الذي يربط بين الناس في مختلف الثقافات والأزمنة.
تشمل الطبيعة الإنسانية الكونية الحاجات البيولوجية الأساسية مثل الطعام والماء والنوم، التي تعد ضرورية لبقاء الإنسان.
وهذه الاحتياجات مشتركة بين جميع البشر، ولا يمكن الاستغناء عنها لضمان استمرار الحياة.
إلى جانب الحاجات البيولوجية، توجد مشاعر إنسانية أساسية مثل الخوف، الفرح، الحزن، والحب.
تشير الدراسات، مثل أبحاث بول إيكمان، إلى أن هذه المشاعر هي عالمية في جوهرها، رغم أن أشكال التعبير عنها قد تختلف حسب الثقافات.
هذه المشاعر تعد جزءًا لا يتجزأ من التجربة الإنسانية، وتوجد في جميع البشر على اختلاف ثقافاتهم.
هناك أيضًا احتياجات نفسية أساسية في الطبيعة الإنسانية، مثل الحاجة إلى الأمان سواء كان أمانًا جسديًا أو عاطفيًا.
الشعور بالأمان يمكن الأفراد من التفاعل مع محيطهم بشكل صحي وفعّال.
كما أن غريزة البقاء جزء من هذه الطبيعة، حيث يسعى البشر بشكل فطري للحفاظ على حياتهم وتجنب المخاطر.
إضافة إلى ذلك، الحاجة إلى الانتماء تعتبر من الخصائص النفسية التي توحد البشر.
يسعى الجميع للشعور بالانتماء إلى مجموعة أو مجتمع، مما يمنحهم إحساسًا بالدعم الاجتماعي والاستقرار النفسي.
كما أن الإنسان يتميز بقدرة فطرية على التفكير والتعلم، مما يُمكنه من مواجهة التحديات والتكيف مع بيئته. هذه القدرة ليست حكرًا على ثقافة معينة، لكنها تتأثر بأساليب التنشئة والتعليم في المجتمعات المختلفة، مما يُبرز تداخل الطبيعة الإنسانية مع البيئة الثقافية.
العادات الإنسانية، من جهة أخرى، تعبر عن السلوكيات المكتسبة التي تنشأ نتيجة لتفاعل الإنسان مع بيئته الثقافية والاجتماعية.
هذه العادات تشمل جوانب الحياة اليومية مثل طرق تناول الطعام، أساليب التحية، والأطر الفكرية التي تحدد كيفية رؤية الأفراد للعالم.
على سبيل المثال، اللغة هي إحدى مظاهر هذا التفاعل؛ فالإنسان يمتلك قدرة فطرية على تعلم اللغة، كما أشار نعوم تشومسكي في نظرية القواعد العالمية، ولكن اللغة التي يتحدث بها الشخص هي انعكاس للثقافة التي نشأ فيها. اللغة ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي أيضًا وسيلة للتعبير عن القيم والمعتقدات الثقافية الخاصة بكل مجتمع.
العادات الإنسانية تتسم بالمرونة، حيث تتغير وتتطور بمرور الزمن.
على سبيل المثال، مع تقدم التكنولوجيا ظهرت عادات جديدة مثل استخدام الرموز التعبيرية في الرسائل النصية أو الاعتماد على التطبيقات الذكية في التواصل.
هذا التغيير يعكس قدرة العادات على التكيف مع الظروف الحديثة، دون أن تفقد جذورها الثقافية.
التداخل بين الطبيعة والعادة هو أحد جوانب الطبيعة البشرية المعقدة.
رغم أن الطبيعة الإنسانية الكونية والعادات الإنسانية تختلف من حيث الأساس الفطري والمكتسب، فإن العلاقة بينهما متشابكة.
الطبيعة الفطرية تشكل الأساس الذي تُبنى عليه العادات، بينما تضفي العادات الطابع الثقافي والاجتماعي على سلوكيات الإنسان.
كمثال على ذلك ، الحاجة الفطرية للتواصل بين البشر تجد تعبيرها في طرق متنوعة بين الثقافات، سواء من خلال اللغة المنطوقة، أو الإيماءات، أو وسائل الإعلام الحديثة.
أمثلة اخرى على هذا التداخل تظهر في العديد من الجوانب اليومية، كالحاجة إلى الطعام هي حاجة فطرية، لكن طرق تناوله تختلف؛ فبينما يستخدم البعض الأدوات، يفضل آخرون تناوله بأيديهم.
كذلك، على الرغم من أن الرغبة في التحية والتواصل الاجتماعي هي دافع فطري، فإن أساليب التحية تختلف من ثقافة إلى أخرى، من المصافحة إلى الانحناء أو تبادل القبلات.
كما أن القيم الإنسانية مثل العدالة هي قيم عالمية، ولكن طرق تطبيقها تختلف من ثقافة لأخرى؛ ففي بعض المجتمعات، تُركز على المساواة، بينما في مجتمعات أخرى، يُعطى الأولوية لمبدأ الإنصاف.
في النهاية، تمثل الطبيعة الإنسانية الكونية الأساس الثابت الذي يوحد البشر، بينما تعكس العادات الإنسانية قدرة الإنسان على التكيف مع بيئته.
التداخل بين الفطري والمكتسب يُبرز تنوع التجربة الإنسانية وتعقيدها، حيث يعيش الإنسان دائمًا بين الثوابت والمتغيرات، مما يجعله كائنًا فريدًا قادرًا على التفاعل مع التحديات والظروف المحيطة به.
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020