||
أ.د غازي العارضي
بعيداً عن الشماتة وجلد الذات ، فإن العقل العربي الجمعي والفردي لم يعد يتقبل ما آلت إليه أحوال العرب اليوم من خلافات أكل عليها الدهر وشرب ، تمظهرت في إنشقاقات ،ومحاور متناقضة، وتقلبات في العلاقات البينية بما يشبه تغير المناخ، والتي جلبت على العرب البلاء الإختياري والمتاعب الوجودية في كل الإتجاهات السياسية والعسكرية والأمنية والإقتصادية والحضارية الخ، وبلغت حداً لايطاق أتاحت للأجنبي الغريب أن يدس أنفه القذر في إدارة مشاكل العرب وكأنه وصي عليهم ، وياليته يسعى في حل مشاكلهم بقدر مايزيدها تعقيداً ،إذ لم يسبق لأي مندوب أمريكي أو أممي حل أزمة عربية واحدة ومن تلك الخلافات : أزمات العرب في الصحراء المغربية ،وسوريا ،والعراق، واليمن، والسودان، وليبيا، ويضيق المقام عن عرض دسائس أمريكا والأمم المتحدة وأساليبهم الملتوية ووسائلهم المنحرفة في تعقيد أزمات العرب وتعميق الشقة بينهم والوصول بها إلى آفاقٍ مسدودة تماماً ، ولامندوحة بعد هذا التراكم من الخلافات المأساوية التاريخية وردوها التسناموية ، من وضع النقاط على الحروف والخلوص من هذا الواقع المأساوي إلى نقلة نوعية في المصالحة العربية المعاصرة ، حيث أصبحت الخلافات تقض مضجع كل عربي حر أصيل ، واحسب أن إفراغ لوائح المؤسسات العربية وأنظمتها من محتواها مثل الجامعة العربية ، ومجلس التعاون الخليجي ، والإتحاد المغاربي بإشتراط الموافقة بالإجماع على أي إقرار، مزقت العرب شر ممزق، ووضعت هذه البدعة السياسية حل مشاكل العرب في حكم المستحيل كما يقال : ( وضع العربة أمام الحصان ) وهو شرط غريب لايتفق مع بدهيات العقل والمنطق والوعي ولا يُعرف له مثيل في التاريخ البشري ، مما أفرغ القرارات العربية من محتواها ، حيث ينفض كل اجتماع كما بدأ دون فائدة تُذكر ، سوى عرض مراسم الإستقبالات الرائعة، وأحيانا مرافقة الطائرات العسكرية (طائرة الزعيم الزائر) وإطلاق المدفعية ٢١ طلقة . وصالات الإستقبال الفخمة والمزينة بالورود الطبيعية، والمآدب الدسمة التي يسيل لها اللعاب ،والأضواء الرائعة والخطب الرنانة ، وينفض كل اجتماع كما بدا دون فائدة تُذكر وهكذا دواليك ،ويمكن إنزال نموذج ذلك على سائر الإجتماعات العربية البينية ، مما سمح لأمريكا وما يسمى بالأمم المتحدة بفرض الوصاية على العرب وتحييدهم وإدارة مشاكلهم بالنيابة عنهم من حيث لايعلمون ، وأمام هذا الخلل البنيوي بكل معانيه وأبعاده ومجالاته ، لا خيار سوى إقتباس الحكمة من المؤسسات والإتحادات الناجحة ويأتي في طليعتها الإتحاد الأوروبي ، الذي شكل أنجح إتحاد عبر التاريخ ،مشفوعاً بمحكمةعليا ، وبرلمان وجيش موحد، وعملة موحدة ( اليورو ) دون التناقض مع الإستقلالية الوطنية لكل دولة على حدة، وضعف القرار العربي وتكلسه وعقمه ، أنعكس على (ضعف الدولة العربية المعاصرة) من الداخل ، فرأينا أحزاباً ومؤسسات وأفراداً من العرب يمحضون الولاء لغير أوطانهم، ويغردون خارج السرب ،مما ساعد على ظهور الطابور الخامس وتوسعه بصورة مخيفة ، وهذا بعينه الذي ساعد كل من يطمع في زعزعة الأوضاع الأمنية والسياسية داخل البلاد العربية ، وأقرب مثالٍ على ذلك، انقسام الولاء من بعض العرب لغير أوطانهم، وقيام بعضهم بإشعال الحروب بالنيابة عن المقاول الأصلي لتمزيق الوطن الأم ، إما للغرب أو الشرق ويمثل الثلاثي الشرير ( أمريكا – إسرائيل -إيران ) أخطر العناصر الجهات فساداً وتدخلاً داخل الدول العربية ، بسبب ضعف وعقم القرار العربي الذي أنيط به شرط الإجماع لإقراره وتنفيذه ….
فمتى تشرق شمس العرب من جديد، على وحدة حقيقية تعالج الأمراض والأزمات العربية المستعصية من خلال القرار القوي ، بدون عواصف ولا رياح هوجاء، وتوصد الأبواب دون تدخل الثلاثي الشرير في شؤون العرب ؟؟؟؟!!!!
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020