||
الكاتبة / صالحة الحربي
في أعماق التاريخ، حيث تمتزج ملامح الشجاعة بالحكمة، وحيث تنبض الأرض بصوت أجدادٍ حملوا الأمانة وبذلوا في سبيلها الغالي والنفيس، يولد يوم التأسيس كحكاية ممتدة لا تعرف النهاية، هو ليس مجرد تاريخ يُذكر، ولا مجرد لحظة انبثقت من ظلام الماضي، بل هو جذور تضرب في أعماق الأرض، وأساسٌ صلبٌ قامت عليه مملكة تحاكي المجد وتتطلع إلى عنان السماء، إنه اليوم الذي بدأت فيه أولى الخطوات نحو بناء وطنٍ تتلاقى فيه القوة مع العزيمة، ليكون شامخًا في وجه الزمن.
حين حل عام 1727، كانت الجزيرة العربية تعيش واقعًا مليئًا بالتحديات، كانت الأرض مترامية الأطراف، وكان الناس يبحثون عن الاستقرار، في ذلك المشهد الذي كان ملبدًا بالمتغيرات، بزغ نجم الإمام محمد بن سعود، رجلٌ أدرك أن الأوطان العظيمة لا تُمنح، بل تُبنى بالكدح والصبر، فأرسى في الدرعية قواعد الدولة السعودية الأولى، لم يكن تأسيسًا عاديًا، بل كان نقطة تحولٍ في مسار التاريخ، لحظة اجتمعت فيها الرؤية الثاقبة مع الإرادة القوية، فانبثقت دولة تحمل في قلبها روح الوحدة وفي جوهرها مبادئ العدل والكرامة
لم يكن التأسيس مجرد إعلان سياسي، بل كان بناءً متينًا قام على أسس راسخة، كان رسمًا لملامح المستقبل، حيث وضعت اللبنة الأولى لدولة سيكون لها شأن عظيم، بدأت المسيرة من تلك البقعة التي شهدت إرادة الرجال وصمودهم، لم يكن الطريق سهلًا، بل كان حافلًا بالصعاب، وكانت العثرات تتطلب قلوبًا لا تعرف الخوف وعقولًا تؤمن بأن الوطن مشروعٌ لا يقبل التراجع، ومنذ ذلك اليوم انطلقت المملكة في رحلتها الطويلة نحو المجد، رحلة صنعها أجدادٌ آمنوا بأن العظمة لا تُورث، بل تُصنع بعرق الجباه وسواعد الرجال.
مضت السنوات وتوالت الأجيال، ولم تكن تلك الروح التي وُلدت في يوم التأسيس مجرد لحظة عابرة، بل ظلت تسري في عروق هذا الوطن، حتى وصلت إلى يومٍ آخر حمل معه أملًا متجددًا حين تمكن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود من توحيد البلاد تحت راية واحدة، فكان ذلك الامتداد الطبيعي لمسيرة بدأت قبل قرون، وما بين التأسيس الأول والتوحيد العظيم، ظلت ملامح المستقبل تُرسم بخطوات ثابتة، ظلت المملكة تتحرك بثقة نحو الأمام، تنظر إلى جذورها لتستلهم منها العزم، وترفع رأسها نحو الأفق لترى الغد الذي تسعى إليه.
إن الاحتفال بيوم التأسيس هو احتفالٌ بذاكرة الوطن، بذكريات النضال والتضحية، وهو أيضًا تذكيرٌ بأن الأوطان لا تُبنى إلا بسواعد أهلها، ولا تنهض إلا بروح أبنائها، في هذا اليوم تتجلى صورة وطنٍ لم يعرف التراجع، ولم يكن يومًا رهينة للظروف، بل كان صانعًا لها، وطنٌ استطاع أن يحول الصحراء إلى مدنٍ مزدهرة، وأن يجعل من الاستقرار نموذجًا يُحتذى به، وأن يخلق من التحديات فرصًا للريادة
اليوم، ونحن نقف على أعتاب مستقبلٍ يشرق مع رؤية 2030، ندرك أن تلك الجذور العريقة التي غُرست يوم التأسيس هي التي جعلت هذا الوطن قادرًا على خوض غمار العصر الحديث بقوة وثقة، هي التي صنعت شخصية المملكة كدولة لا تكتفي بالبقاء، بل تسعى إلى الصدارة، دولة توازن بين أصالتها العريقة وطموحها الذي لا يعرف الحدود، وما بين ذلك الماضي المجيد وهذا المستقبل الواعد، تبقى روح التأسيس هي النبض الذي يمنح المملكة قوتها، تبقى تلك اللحظة التي أطلقها الأجداد هي النور الذي يستضاء به، ويبقى يوم التأسيس شاهدًا على أن الحكاية التي بدأت قبل ثلاثة قرون .
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020