||
أشواق شتيوي
@ASHWAG_SHETEWI
المفكر كائن دائم الحركة، يعيش في حالة تأمل مستمر تتجاوز حدود الحاضر والمألوف.
روحه تتنقل بين أبعاد الأفكار المتجددة، حيث تتحرر من القيود التقليدية وتتجلى الأسئلة في فضاءات مفتوحة تعيد تشكيل الممكن وتمنح الواقع أبعادًا أعمق. إنه ليس مجرد شاهد على التحولات، بل جزء منها، يعيد صياغة ذاته والعالم من حوله باستمرار.
المفكر يدرك ضعفه كإنسان محكوم بالزمن والفناء، لكنه يرتقي إلى مقام المسؤولية الفكرية والوجودية. هذا الازدواج لا يعني تناقضًا، بل هو توازن بين تأمل ذاته كمرآة تعكس الكون، ورؤيته لنفسه كفاعل يسهم في نسيج الحياة.
الغريزة والضرورة هما أركان وجوده، لكنه يحولهما إلى قوى تحقق قيمًا أعمق، حيث يتحول البقاء إلى بحث عن المعنى.
لا ينغمس المفكر في ذاته بمعزل عن العالم، بل يضع نفسه وواقعه تحت مجهر النقد.
إنه لا يرفض القيم والتقاليد لمجرد الرفض، ولا يقبلها دون تمحيص، بل يخضعها لاختبار العقل والضمير. بهذا الموقف، يعيد تشكيل ذاته باستمرار، متحررًا من النمطية والتكرار.
رؤيته ليست هدمًا بل بناءً، ونقده ليس عزلًا بل مشاركة تسعى لتوسيع الأفق الإنساني.
في علاقته بالمجتمع، المفكر أشبه بنهر يتدفق بين ضفتين: ينتمي إلى الجماعة دون أن يذوب فيها. يعيش في مسافة واعية بين الانتماء والحرية، فيرى الحاضر بزاوية مستقبلية.
هذه المسافة لا تعني انعزالًا، بل تمكينًا، حيث يكتسب وضوح الرؤية ليكون مشاركًا ومؤثرًا دون أن يخضع لضغوط التوافق أو يساوم على حريته الفكرية.
الحياة بالنسبة للمفكر ليست مجرد صراع للبقاء أو سباق نحو الامتيازات، بل هي رحلة مستمرة لاكتشاف المعنى وصناعته.
إنه يوازن بين الضرورات الأساسية للحياة والقيم الكبرى كالصدق والعدل والحب والأمل والجمال.
هذه القيم ليست مثالية مجردة، بل مسارات عملية تقوده إلى أفق أكثر إنسانية واتساعًا.
الفكر عنده ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية. إنه وسيلة للتحرر من قيود المادة والأنماط السطحية.
في عالم يئن تحت وطأة الاستهلاك والركود، يكون المفكر قوة مقاومة، وعاملًا محفزًا نحو عمق جديد للحياة. إنه لا يصف العالم فقط، بل يسعى لتغييره ليصبح أكثر وضوحًا وعدلًا.
المفكر لا ينفصل عن البشرية ولا ينعزل عن مسيرتها. أفكاره ليست امتدادًا لذاته فقط، بل هي دعوة لإعادة تشكيل العالم بوعي أعمق.
هشاشته ليست نقطة ضعف، بل مصدر قوته؛ إذ يحوّل وعيه بالفناء إلى طاقة خلاقة تُفتح بها آفاق جديدة.
بهذا المعنى، المفكر ليس مجرد حامل أفكار، بل حالة دائمة من التجدّد والبحث، يقودها وعي عميق بالمسؤولية نحو الذات والآخرين.
إنه وعد بأفق جديد، وشعلة رؤية تضيء في عتمة الواقع، لتؤكد أن الفكر أداة للتحرر وأفق للحياة.
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020