||
ناصر العمري
مِنى (بكسر الميم وفتح النون)
ويقول المؤرخون : إن تسمية (منى) أتت لما يراق فيها من الدماء المشروعة في الحج، وقيل لتمني آدم فيها الجنة، ورأى آخرون أنها لاجتماع الناس بها، والعرب تقول لكل مكان يجتمع فيه الناس مِنى. وذكر بعض المؤرخين أنه كان بمنى مسجداً يعرف بمسجد الكبش.
وبمِنَى رمى إبراهيم عليه السلام الجمار، وذبح فدية لابنه إسماعيل عليه السلام، وفيه قال عزّ وجل (( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )).
ويقضي الحاج بمِنَى يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ويستحب فيه المبيت تأسيا واتباعاً لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسمي بذلك لأن الناس كانوا يتروون فيه من الماء ويحملون ما يحتاجون إليه، وفي هذا اليوم يذهب الحجيج إلى مِنَى ،إذْ يصلي الناس الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً بدون جمع.
ويعود الحجاج إلى مِنَى صبيحة اليوم العاشر من ذي الحجة بعد وقوفهم على صعيد عرفات الطاهر، يوم التاسع من شهر ذي الحجة ومن ثم المبيت في مزدلفة.
ويقضون في مِنَى أيام التشريق الثلاثة لرمي الجمرات الثلاث مبتدئين بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، ومن تعجل في يومين فلا إثم عليه.
وكما جاء في القرآن الكريم (( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ )) والمقصود بها مِنَى المكان الذي يبيت فيه الحاج ليالي معلومة من ذي الحجة يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة بعده.
وسُميت هذه الأيام بأيام التشريق لأن العرب كما قال ابن حجر: كانوا يُشرِّقون لحوم الأضاحي في الشمس وهو تقطيع اللحم وتقديده ونشره.
وادي منى، أكبر مشاعر الحج مساحة في مكة المكرمة
يقع مشعر منى شرق مدينة مكة، ويحدها من الشمال الغربي جمرة العقبة، ومن الجنوب الشرقي وادي محسر، ومن الجهة الشمالية جبل القويس، ومن الجهة الجنوبية جبل ثبير. ويفصل بينها وبين مشعر مزدلفة وادي محسر، وتقدر مساحة منى الشرعية حوالي 7.82 كم2، والمستغلة فعلاً 4.8 كم2 فقط، أي ما يعادل 61% من المساحة الشرعية و 39% عبارة عن جبال وعرة ترتفع قممها حوالي 500م فوق مستوى سطح الوادي.
مشعر منى، هو واد تحيط به الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، وجمرة العقبة من جهة مكة المكرمة، ووادي محسر من جهة مشعر مزدلفة، ويعد أكبر المشاعر مساحة في مكة المكرمة.
ينتهي في مشعر منى أطول طريق للمشاة في العالم والذي يبدأ من جبل الرحمة بعرفات مرورا بمزدلفة، وهو طريق بـ 4 مسارات يضم على طوله المظلات للوقاية من أشعة الشمس والكراسي والمياه الباردة.
تعرف منى بأنها موضع أداء شعائر الحج ومبيت الحجاج في يوم التروية ويوم عيد الأضحى وأيام التشريق حيث أن فيها موقع رمي الجمرات والتي تتم بين شروق وغروب الشمس في تلك الأيام من الحج ويذبح فيها الهدي.
ومن الأحداث التاريخية الشهيرة التي وقعت في منى بيعتا العقبة الأولى والثانية ؛ ففي العام الـ12 من البعثة النبوية كانت البيعة الأولى بحضور 12 رجلا من الأوس والخزرج لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. تلتها الثانية في العام الـ 13 من البعثة وبايعه فيها عليه السلام 73 رجلا وامرأتان من أهل المدينة المنورة في الموقع نفسه الذي يقع من الشمال الشرقي لجمرة العقبة.
وهناك بنى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور مسجد البيعة في عام 144هـ، الواقع بأسفل جبل “ثبير” قريبا من شعب بيعة العقبة، إحياء لهذه الذكرى التي عاهد حينها الأنصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المؤازرة والنصرة، وبعدها هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه صحابته إلى المدينة المنورة.
كما نزلت بها سورة “المرسلات”، فقد روى البخاري عن عبد الله (بن مسعود) -رضي الله عنه- قال “بينما نحن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غار بمنى إذ نزل عليه (والمرسلات) وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها”.
يشتهر مشعر منى بمعالم تاريخية، منها الشواخص الثلاثة التي ترمى، وبه مسجد “الخيف” الذي اشتق اسمه إلى ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، والواقع على السفح الجنوبي من جبل منى، قريبا من الجمرة الصغرى.
وقد صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء من قبله، فعن يزيد بن الأسود قال “شهدت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف”. وما زال قائما حتى الآن، ولأهميته تمت توسعته وعمارته في عام 1407هـ.
جمرات منى
روي في الأحاديث النبوية أن النبي إبراهيم عندما كان في طريقه لتأدية مناسك الحج عرض له الشيطان عند موقع في منى، فرماه بسبع حصيات حتى أعرض عنه فسمي هذا الموقع بجمرة العقبة، ثم عرض له الشيطان عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى أعرض عنه، لذلك يرمي الحجاج الجمرات اقتداء بالنبي إبراهيم. تتكون منشأة الجمرات حاليا من 3 طوابق للتيسير على الحجاج ومنع الازدحام.
خيام منى
هي خيام سكنية مصنوعة من الزجاج مغطاة بمادة ” التفلون ” لمقاومتها العالية للاشتعال، ومرتبطة ببعضها البعض بواسطة ممرات، وتحاط كل مجموعة خيام بأسوار معدنية تضم أبواب رئيسية وأخرى للطوارئ، تمتد الخيام على مساحة 2,500,000 متر مربع، تستوعب نحو 2,600,000 حاج.
” منى ” .. الجمال وبياض الخيام فيها ملتقى حجاج بيت الله الحرام وأنسهم.
” منى ” .. أحب البقاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
” منى ” .. الاطمئنان و الشوق و حنين في ذاكرة كل حاج ..
“يا راحلين إلى منىً بقيادي
هيجتموُ يوم الرحيل فؤادي “
” منى ” .. أشواق وحنين .
كم من العيون ذرفت دمعها شوقًا إلى تلك الديار وأداء فريضة الحج.
” منى ” .. فيها مستقر الحجاج بسهولها وجبالها .. بخيامها ومبانيها ، بأنوارها وروحانيتها ..
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات.
جاؤوا ملبين دعوة نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أمره الله بالتأذين بالحجّ ، فقام على مقامه ونادى: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا بيته العتيق.
جاؤوا إلى ” منى ” و كلهم شوق و تضرعاً اجتمعوا على حب رب العالمين
ما أجمل تلك اللحظات ..وما أسعدها من أوقات يقضيها ضيوف الرحمن في أفضل أيام الدنيا، وإن جاءت في ظرف استثنائي في ظل جائحة كورونا.
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020