الرياض | د. فاطمة الفهيد

في قلب العاصمة الرياض، وبين أجواء رمضان الساحرة، ينبض بازار ريف السعودية بالحياة، حيث اجتمعت عشرات الأيادي الماهرة التي حملت تراث أجدادها لتنسجه حكايات من الحرف والإبداع. في واجهة روشن، وخلال عشرة أيام ابتدأت من 13 رمضان تحول المكان إلى لوحة تراثية حية، تنطق بأصالة الريف السعودي، وتعيد رسم ملامح مهن يدوية كانت جزءاً من الهوية السعودية لعقود طويلة.

حرفة تناقلتها الأجيال والآن مصدر فخر وتمكين

وسط الأجنحة المصطفة بعناية، تتحدث إحدى الحرفيات بحماس وهي تعرض قطعها المصنوعة يدوياً، تتنقل بين خيوط السدو وأدوات الحياكة وكأنها تعيد إحياء حكايات الجدات. بابتسامة واثقة تقول: “هذه الحرفة تعلمناها من أمهاتنا، واليوم ننقلها لأبنائنا وأحفادنا.” لسنوات طويلة، ظلت هذه المهارات طيّ النسيان، وكانت تُعتبر مجرد هواية لا تسمن ولا تغني من جوع، لكنها اليوم أصبحت جزءاً من الاقتصاد المحلي، ومنصة تسويقية تصل بها الحرفيات إلى جمهور أوسع، بفضل دعم برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة “ريف السعودية”.

2025.. عام الحرف اليدوية وفرصة ذهبية للحرفيين

يأتي تنظيم بازار ريف السعودية تزامناً مع إعلان عام 2025 عاماً للحرف اليدوية في المملكة، وهي خطوة تعكس الاهتمام المتزايد بهذا القطاع الذي لطالما كان جزءاً من الثقافة المحلية. 

في أحد أركان البازار، تجلس أم عبد الله، وهي تحيك سجادة صغيرة بخيوط السدو، مشيرة إلى أن اهتمام الدولة بالحرف اليدوية منحها فرصة العمر. تقول: “كنا نخشى أن تندثر هذه المهن، لكن اليوم لدينا مساحة نعرض فيها أعمالنا، وأصبح هناك وعي بقيمتها التراثية والاقتصادية.”

ليالي رمضان.. عندما يصبح التراث جزءاً من السوق الحديث

ما يميز بازار ريف السعودية ليس فقط المنتجات المعروضة، بل التجربة الكاملة التي يعيشها الزائر. بين أصوات الباعة، وروائح المنتجات الريفية، ونقوش الحرفيين التي تحاكي الطبيعة، تتحول الزيارة إلى رحلة عبر الزمن، حيث تلتقي الحرف اليدوية مع الحداثة. 

يعلق أحد الزوار قائلاً: “لم أكن أتخيل أن الحرف اليدوية يمكن أن تقدم بهذا الشكل الحديث، إنها ليست مجرد مشغولات تراثية، بل قطع فنية تحمل هوية وثقافة.”

فرصة اقتصادية تتجاوز حدود السوق المحلي

بعيداً عن الطابع الرمضاني والتجربة التراثية، يمثل البازار فرصة اقتصادية حقيقية للحرفيين. في جناح قريب، تقف شابة في الثلاثينات من عمرها، تعرض قطعاً فريدة من الفخار المزخرف، وتقول: “بدأت كهاوية، واليوم أستطيع أن أقول إنني أعيش من عملي في الحرف اليدوية.” وتضيف أن الفعاليات مثل بازار ريف السعودية تفتح أبواباً غير متوقعة للحرفيين، حيث يلتقون بالمستهلكين مباشرة، ويتعلمون أساليب تسويق جديدة، بل ويحصلون على فرص تعاون مع علامات تجارية تهتم بالمنتجات التقليدية.

ما بعد البازار.. الحرفة باتت استثمارًا مستدامًا

مع تزايد الوعي بأهمية دعم المنتجات المحلية وتعزيز الاستدامة، لم يعد العمل في الحرف اليدوية مجرد هواية، بل تحول إلى استثمار مستدام يحمل بعداً اقتصادياً وثقافياً. 

فمن خلال دعم الحرفيين وتوفير منصات تسويقية لهم، يبرز برنامج ريف السعودية نموذجاً يُحتذى به في تمكين المجتمعات الريفية وربطها بالسوق الحديث.

وبينما تتواصل فعاليات بازار ريف السعودية، لا يبدو أن هذا الحدث مجرد تجمع للحرفيين فحسب، بل هو شهادة حية على أن الماضي قادر على التكيف مع الحاضر، وأن التراث عندما يجد من يحميه ويمكنه، يتحول من ذكرى إلى قوة اقتصادية وثقافية مستدامة.