||

وترٌ خفي يعزف الحياة

6 يناير، 2025

الكاتبة / هويدا المرشود

هل تساءلت يومًا: ما الذي يجعل حياتنا تمضي بهذه التذبذبات العجيبة؟ انتصارات وخيبات، فرح وألم، وكأننا جزء من لحنٍ كوني لا يتوقف عن العزف. في الفيزياء، هناك نظرية تُدعى “نظرية الأوتار الفائقة” تقول إن أساس الكون ليس المادة الصلبة التي نراها، بل أوتار صغيرة تهتز، تُشكّل كل شيء. هذه النظرية ليست مجرد علمٍ، بل نافذة لفهم الحياة نفسها.

 

البداية: التردد الأول

 

كل شيء في الحياة يبدأ بتردد صغير. خطوة واحدة، فكرة بسيطة، أو قرار يبدو بلا قيمة، قد يكون البداية لتحولات كبرى. كما تبدأ الأوتار في الاهتزاز لتُشكل المجرات، تبدأ حياتنا من لحظات تبدو عادية. قال تعالى: “ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً” [المؤمنون: 14]، إشارة إلى البدايات المتواضعة التي تحمل في طياتها عظمة لا تُرى إلا مع الوقت.

 

الاهتزاز المستمر: السعي والتحديات

 

الحياة مثل الأوتار الكونية، لا تهتز عبثًا، بل تنبض برسائل مستمرة. العمل، الأخطاء، التحديات، كلها ترددات تُشكل هويتنا. أحيانًا، يُخيَّل لنا أن السقوط هو النهاية، لكنه في الحقيقة مجرد بداية جديدة.

قال تعالى: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” [الشرح: 6]، وعدٌ إلهي بأن الترددات الموجعة تحمل في طياتها لحنًا جديدًا أكثر جمالًا.

 

التناغم: العلاقات والأسلوب

 

الأوتار لا تعمل منفردة، بل تتناغم معًا لتُشكل موسيقى الكون. وكذلك نحن، كل علاقة في حياتنا تُضيف نغمة جديدة، كل تعامل يترك أثرًا، وكل كلمة هي جزء من لحنٍ أكبر. قال تعالى: “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” [الحجرات: 13]، التعارف ليس مجرد لقاء، بل انسجامٌ بين أرواح تهتز معًا، لتُثري السيمفونية البشرية.

 

الأوتار الخفية: الفرص والإلهام

 

هناك أشياء لا نراها لكنها موجودة، مثل الأوتار الخفية في الكون. الفرص، الإلهام، وحتى الأحلام الصغيرة، قد تبدو بلا معنى، لكنها تحمل قوة تغيير هائلة. تأمل قصة موسى عليه السلام عندما سأله الله عن عصاه: “وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ” [طه: 17]. تلك العصا البسيطة تحولت إلى معجزة. كذلك في حياتنا، قد تكون أبسط الأدوات أو الأفكار مفتاحًا لمعجزات غير متوقعة.

 

الانكسار: الخيبة والابتلاء

 

الأوتار قد تنكسر أحيانًا، لكنها تعود لتُحدث نغمة مختلفة. الخيبة ليست النهاية، بل إعادة ترتيب للألحان. كل مرة نشعر فيها بالضعف، نتذكر قوله تعالى: “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ” [البقرة: 216].

 

الانكسارات تعلمنا أن الحياة ليست خطًا مستقيمًا، بل سلسلة من الترددات المتفاوتة، تُصقل أرواحنا لتصبح أقوى.

 

النهاية: أثر الاهتزازات

 

في نظرية الأوتار، الاهتزاز لا يختفي، بل يظل يؤثر في كل ما حوله. وهكذا نحن. كل كلمة نقولها، كل قرار نتخذه، هو وتر يهتز، يترك أثرًا يمتد حتى بعد غيابنا.

 

الحياة ليست إلا سيمفونية واحدة، ونحن أوتارها. تهتز أرواحنا بين ألحان الفرح والحزن، بين النجاح والتحديات، لكنها في النهاية تصنع لحنًا يُخلّد أثرنا في هذا العالم.

 

قال تعالى: “وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ” [الأنعام: 59]، فكل اهتزاز، كل لحن، يسير وفق نظام إلهي دقيق.

 

في حياتك، كن وترًا ينبض بالخير، يصنع لحنًا يُلهم الآخرين، ويترك إرثًا خالدًا لا يُنسى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

رأي المصداقية

1 يناير، 2021
رآي المصداقية

  كان حلما يراودنا منذ...

كتّاب المصداقية

13 فبراير، 2025
الوفاء بين الإنسان والأثير

ضيف الله نافع الحربي  مع...

6 فبراير، 2025
ضائقة اجتماعية 

ضيف الله نافع الحربي  في...

29 يناير، 2025
الحيرة والعقول المرتعشة

ضيف الله نافع الحربي  ليست...

23 يناير، 2025
قوتنا الناعمة

ضيف الله نافع الحربي  اقترن...