||

يوم المعلم: تكريم سريع بوردة ذابلة وهدايا منسية

6 أكتوبر، 2024

ناصر العمري ⁦‪@NasserNssn4‬⁩ 

في صباح يوم المعلم، تشرق الشمس كعادتها، لكن هناك شيء مختلف في الأجواء اليوم. المعلمون، هؤلاء الجنود المجهولون الذين يحترقون كالشموع لتنير درب الأجيال، يقفون في طابور الصباح منتظرين التكريم الذي طالما سمعوا عنه في المناسبات الرسمية. الجميع يتحدث عن يوم المعلم وكأنه عيد يحتفي فيه المجتمع بأكمله بمكانة المعلم، فالمعلم هو “البطل الخفي” في القصة. ولكن، حين تنطلق فعاليات الاحتفال، تبدأ المفارقات الساخرة.

البداية وردة! نعم، وردة واحدة فقط. وردة قد تكون جميلة في فكرتها ولكنها في تنفيذها شيء آخر تمامًا. وردة غالباً ما تصل إلى يد المعلم وكأنها جُلبت على عجل من بائع متجول أو التُقطت من حديقة المدرسة بعد أن مر عليها الزمن. يبتسم المعلم وهو يستلم هذه الوردة، ليس لأنه يرى فيها رمزًا لتقدير المجتمع، بل لأنه يدرك أن هذا كل ما سيحصل عليه في هذا اليوم من “التكريم”. ورغم الابتسامة التي ترتسم على وجهه، لا يمكن إخفاء تلك اللمحة الخفيفة من خيبة الأمل.

ولكن الاحتفال لم ينته بعد! هناك المزيد! بعد الوردة، تأتي الهدايا المنتظرة. هدايا “تعكس التقدير العميق” للمعلم أو هكذا يُفترض بها هذه الهدايا غالبًا ما تكون شيئًا لا يليق بمكانة المعلم ولا يحمل أي قيمة تُذكر. قد تكون عبارة عن أقلام بلاستيكية رخيصة الصنع تحمل شعار المدرسة أو الوزارة وربما يحصل المعلم على دفتر ملاحظات لا يختلف كثيرًا عن دفاتر الطلاب عدا عن كونه يحمل في الزاوية عبارة مزخرفة “لأفضل معلم”. ولا ننسى الكأس البلاستيكي الذي أصبح تقليدًا في كل عام، مكتوب عليه بحروف كبيرة “أنت قدوة”. هذا الكوب الذي غالبًا ما ينتهي به الحال في درج المكتب أو يُستخدم في ركن شرب القهوة، هو هدية تمثل كل ما قدمه المعلم من عطاء وجهد على مدى سنوات عمله.

 

وبالطبع، كل هذا يجري بسرعة مذهلة خلال دقائق الطابور الصباحي. الوقت ضيق، ولا يوجد مجال للاحتفال بشكل لائق فجدول الحصص مزدحم ولا يمكن السماح بأكثر من بضع دقائق لهذا “التكريم”. 

تبدأ الإذاعة المدرسية بتلاوة آيات القرآن الكريم، يليها حديث مقتضب عن عظمة المعلم ودوره في بناء الأجيال ثم يأتي دور توزيع الورود والهدايا. طابور الصباح هذا هو المكان الذي يجري فيه كل شيء حيث يتم إنهاء الاحتفال بنفس السرعة التي يبدأ بها. في دقائق معدودة يكون المعلم قد حصل على وردته وكوبه البلاستيكي ودفتره وربما قلمًا، وبعد ذلك… ينتهي كل شيء.

 

هنا تأتي المفارقة الأكبر الاحتفال بالمعلم ينتهي مع نهاية الطابور الصباحي . لا توجد كلمات تقدير خاصة، لا خطاب يعبّر عن الامتنان العميق لجهود المعلمين، لا حفل يليق بمكانة من يحمل عبء تعليم الأجيال. بمجرد انتهاء الطابور، يعود كل شيء إلى طبيعته. يبدأ المعلمون في دخول الفصول، حاملين معهم وردتهم وكوبهم، لمواجهة اليوم الطويل المليء بالتحديات. وكأن هذا اليوم لم يكن مختلفًا عن أي يوم آخر. الوردة التي حصلوا عليها ستذبل مع مرور الساعات، والهدايا التي تلقوها ستنسى في زوايا المكتب، بينما يستمرون في عملهم الشاق، في مواجهة نفس الظروف.

 

وفي خلفية المشهد، يظل السؤال الكبير معلقًا: هل هذا هو التكريم الذي يستحقه المعلم حقًا؟

هل تكفي وردة ذابلة وكوب بلاستيكي وقلم لتكريم شخص يُفترض أنه يُخرج أجيالاً بأكملها من ظلام الجهل إلى نور العلم؟ 

هل تستقيم فكرة الاحتفال بالمعلم في دقائق معدودة في حين أن مشاكله الحقيقية تظل دون حل؟ 

هل سيقلل الاحتفال الطابوري من حجم الفصول المكتظة أو من الأعباء الإدارية التي يواجهها المعلمون كل يوم؟ 

بالطبع لا. 

يا لها من سخرية عميقة، أن نحتفل بالمعلم بكلمات رنانة وهدايا زهيدة . التكريم الحقيقي للمعلم لا يكمن في الطقوس السطحية، بل في تحسين ظروف عمله وتوفير الأدوات التي تساعده في أداء دوره. ولكن يبدو أن البعض يظن أن الوردة والهدايا البسيطة كافية لطي صفحة هذا اليوم، ليعود كل شيء كما كان، وننتظر سنة أخرى لنوزع فيها الورود ونشرب القهوة في طابور الصباح من جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

رأي المصداقية

1 يناير، 2021
رآي المصداقية

  كان حلما يراودنا منذ...

كتّاب المصداقية

13 فبراير، 2025
الوفاء بين الإنسان والأثير

ضيف الله نافع الحربي  مع...

6 فبراير، 2025
ضائقة اجتماعية 

ضيف الله نافع الحربي  في...

29 يناير، 2025
الحيرة والعقول المرتعشة

ضيف الله نافع الحربي  ليست...

23 يناير، 2025
قوتنا الناعمة

ضيف الله نافع الحربي  اقترن...