||

الكذب: موت الشعور وتشوه الذاكرة

3 سبتمبر، 2024

أشواق شتيوي 

‏⁦‪@ASHWAG_SHETEWI‬⁩

الكذب ليس مجرد وسيلة لتفادي الحقيقة، بل هو عملية مستمرة تقضي على الشعور الداخلي وتشوه الذاكرة عمدًا.
هو اختيار يرفض به الفرد الواقع لصالح عالم بديل يخدم مصالحه الشخصية أو يحمي ضعفه، غير مدرك أن كل كذبة هي سم بطيء يفسد الروح.

مع كل كذبة، يتلاشى إحساس الفرد الحقيقي بالعالم، الذي يتغذى على الصدق ويزدهر بالنزاهة.
تبدأ الذاكرة بالتحول ضد الكاذب؛ حيث تعيد تشكيل الأحداث والذكريات لتتوافق مع الأكاذيب، مما يُضعف قدرة الفرد على التمييز بين الحقيقة والوهم.

يتحول الوعي إلى ساحة مظلمة يُضلل فيها الفرد نفسه ويخدع الآخرين، بينما يزداد ضياعه الداخلي.

هذا الخداع المتواصل يعمّق احتقار الكاذب لنفسه وللآخرين؛ إذ يدرك، ولو بشكل غير واعٍ، أن كل كذبة تحطّ من قيمته وتشوّه صورته أمام ذاته.
فيرى في الآخرين مجرد انعكاس لنفسه المشوهة، فيحتقرهم كما يحتقر ذاته.

يتسلل الخداع إلى صميم مشاعره، فيحوّلها إلى أدوات لتحقيق مصالحه الشخصية، ويغلق أمامه أبواب التعاطف والشعور بالآخرين.
يتنامى هذا الاحتقار حتى يصبح عائقًا أمام أي علاقة صادقة، فيعيش الكاذب في عزلة نفسية عميقة، حيث لا يثق بأحد ولا يُؤمَن جانبه.

من ناحية أخرى، يعاني الصادق من ألمٍ متزايد كلما ازدادت الكذبة انتشارًا وأصبحت ثقافة سائدة.
يشعر بثقل الحقيقة في عالمٍ يرفضها، ويتألم من الواقع الذي يُكافئ الخداع ويحتقر الصدق.

يجد الصادق نفسه أمام تحدٍّ دائم للحفاظ على مبادئه، مما يفاقم شعوره بالألم ورغبة في العزلة، إذ يرى في الآخرين منغمسين في أكاذيبهم أو متواطئين مع الزيف المحيط بهم.

وفي ظل هذا الجو الخادع، يُدفع الإنسان إلى احتقار الإنسان.
يتحول المجتمع إلى ميدان للصراعات النفسية، حيث تنعدم الثقة وتنتشر الشكوك.
يصبح التعامل مع الآخر محكومًا بالحذر والريبة، ويغدو الصدق فعلاً نادرًا يُقابَل بالاستغراب أو السخرية.
يعمّق الكذب فجوة عدم الفهم بين الأفراد، فيُضلل كل طرف الآخر ويعيش الجميع في حالة من الخداع المستمر، حيث يغيب الإحساس بالصدق وتُستبدل الحقائق بأوهام خادعة.

وعندما يصبح الكذب ثقافة عامة، يفقد المجتمع قِيَمه الإنسانية.

تُصبح الحقيقة شيئًا يُتلاعب به، وتُستخدم الأكاذيب لتبرير السلوكيات غير الأخلاقية، ويضيع الإنسان في دوامة من الخداع المتبادل،

فيحتقر نفسه ويحتقر الآخرين، حتى تنطفئ فيه كل مشاعر الثقة والمحبة.
وهكذا، يُسهم الكذب في تدمير الوعي، ويحول الإنسان إلى كائن لا يعرف سوى الخداع، غارق في عالم من الزيف والضياع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

رأي المصداقية

1 يناير، 2021
رآي المصداقية

  كان حلما يراودنا منذ...

كتّاب المصداقية

13 فبراير، 2025
الوفاء بين الإنسان والأثير

ضيف الله نافع الحربي  مع...

6 فبراير، 2025
ضائقة اجتماعية 

ضيف الله نافع الحربي  في...

29 يناير، 2025
الحيرة والعقول المرتعشة

ضيف الله نافع الحربي  ليست...

23 يناير، 2025
قوتنا الناعمة

ضيف الله نافع الحربي  اقترن...