||
مطر آل عاطف
أشد ما يصيب نفسي من الألم حينما أرى مستعلماً صغير يتطاول على القمم العلمية سواء كانوا من العلماء و القرَّاء أو من المشاهير الذين كتب الله لهم القبول بين الناس و الإجلال في كل محفل و مركز و الريادة والتميز وهو لا يملك قطمير مما عندهم من العلم بل لا يستحق أن يكون تلميذاً بين أيديهم
في الآونة الأخيرة لم يخل مجلس اقعد فيه سواء مع اصحابي أو اخواني أو زملاء عمل ينفك يتحدث عن الفروقات بين المتنبي وأحمد شوقي منذ ظهور الشيخ عائض القرني في أحد حلقات برنامج بودكاست مع الاستاذ عبد الرحمن ابو مالح وهو يرد على كلام الشيخ صالح المغامسي حفظهم الله جميعا وعفا عنا وعنهم لأن الشيخ صالح قال إن العرب المتقدمين لم يتفقوا على شيء بقدر اتفاقهم أن أمير الشعراء هو شوقي وقد كان الشيخ عائض القرني شرساً وساخراً إلى حد بعيد وانا هنا لن أقوم بما قام به الدهماء والسفهاء من الناس بشتم أحد الشيخين أو التقليل من آراء أحد منهما فالادباء و العلماء والقُرَّاء لهم هيبة وحرمة وان كنت لا تتفق مع أحدهم في مذهبه أو سلوكه وقد قال الشيخ عائض غفر الله له بأن بيت شعر للمتنبي اشهر من شوقي ومن جداته وعماته وخالاته وأخواته من الرضاعة والحقها بأنه لا يسمع في المتنبي وهذا بلا ريب مغالاة وتجاوز من الشيخ عائض على شوقي وعلى الشيخ صالح المغامسي وكلاهما جديران بالاحترام ولا أرضى بالتطاول على القمم فالشيخان رعاهما الله معروفين بسبقهم العلمي وبحبهم لوطنهم وفذاذة عقولهم ولا يتجاسر عليهما بالتنقيص إلا جاهل.
الشيخ صالح المغامسي رجل صاحب صنعه وناقد ادبي ومفسر ورجل رقائق لتنقية القلوب وناصح ومربي من الطراز الأول بلا مدافعه.
والشيخ عائض القرني مثقف غزير الإنتاج وقلمه سيّال بالحِكَم حتى أن الملك سلمان حفظه الله يقرأ كتبه وسبق أن زاره في مكتبه
وأخبره أنه قرأ كتابه لا تحزن من الجلدة إلى الجلدة.
أما امير الشعراء و المتنبي فلا احتاج أن ازكيهم فلا بد من مقال خاص يحتويهم ولن يحتويهم فأنا مجرد معجب بالأربعة كلهم ولست أهل لأن احكم لهذا أو لذاك.
لكن الحق احق ان يقال و يتبع فالمسألة في الشعر و الموسيقا و الطعام مسألة أذواق و الناس اطباع كما يقول اخوتنا السوريين (الله خلق أخوين ما خلق طبعين) الذين يريدون أن يكونوا في صف صالح أو عائض أو المتنبي أو احمد شوقي عليهم في بداية المطاف أن يدركوا أننا لا نتحدث عن خصوم لنا في المِلَّة أو في الاعتقاد بل نتحدث عن مسألة أدبية بحتة وصناعة شعرية قد تتذوقها انت ولا اتذوقها أنا و العكس صحيح.
وبخصوص كلام الشيخ عائض فبكل هدوء اقول حتى عمات و خالات المتنبي وأخواته بالرضاعة لا احد يعرفهن حق المعرفة فالمتنبي وشوقي أحيوا حدث ولم يصنعوه ؛ المتنبي كان رجل طموح يبحث عن المعالي والامارة كيف لا وهو القائل:
إذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام.
وحياته مليئة بالمغامرات الشيقة والمدح لمن احبهم والهجاء لمن ابغضهم والمميز فيه أن حتى هجاؤه لا يخلو من حكمه كهجاؤه لابن كيغلغ.
وشوقي لم يمدح أحد نبينا صلى الله عليه وسلم مثله في عدة قصائد وقال فيه امدح بيت يغلب على الظن :
وقيل كل نبيٍ عند رتبتهِ
ويا محمد هذا العرش فاستلمِ
وقال في ذات القصيدة:
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه
والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لمّا خطرت به التفوا بسيدهم
كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كلّ ذي خطرٍ
ومن يفز بحبيب الله يأتمم.
وهذه ابيات جبارة لا تخرج إلا من قلب شخص احب الله ورسوله ورضي بهما وآمن.
لكل من الشاعرين اهتمام و قضية فلا ينبغي أن نصف مع طرف دون الآخر خصوصاً لو لم نكون اصحاب صنعه .
كثيرا ما اسمع هنا وهناك تطاول على القمم والقامات و الرموز ولن تفلح أمة تستهين بعلمائها وتجعل أعراضهم اسهل شيء لكي يخاض فيه، انصر من تحب لكن بالعقل والمنطق السليم فلا انت الذي اعنت المتنبي وشوقي على قصائدهم ولا انت الذي عكفت الركب عند الشيخ صالح و الشيخ عائض كلاهما شيخان يملأون ثيابهم ومشالحهم ويستحقون المرتبة التي وصلوا لها فالشيخ عائض ميزته اظن والعلم عند الله أنه الوحيد الذي نجح من ما يعرف بجيل الصحوة بالبقاء في الساحة والحفاظ على مكانته في قلوب الناس بالمحبة والقبول أما أقرانه فقد اختفوا وهذا يدل على أنه يمتلك مقومات الديمومة والشيخ صالح المغامسي إمام جليل أحسبه والله حسيبه مخبره كمظهره لا يحمل في طياته حقد على أحد من اخوانه المسلمين
رجل لا يعرف الحسد طريق إلى قلبه وهو من القلائل الزهاد في الدنيا ينطبق عليه بيت المتنبي:
وتحتقر الدنيا احتقار مجربٍ
يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا.
وكلام الشيخ عائض بحق شوقي إنما هو كبوة جواد من جواد ، مغمور في بحار حسناته والرد عليه يكون بالتزام حد الادب وتحشيم لحيته الكريمة.
وقد صار رائجاً بين الحمقى والمغفلين الطعن بعرض الشيخ صالح المغامسي على تويتر وغيره بمناسبة أو غير مناسبة ولم ارى رجل ذو اعتبار رد عليه بل كلهم من العوام الذين لا يصلحون ليكونوا طلاب وطالبات عنده أُشهِد الله على حُبِّهْ واتمنى الجلوس في أحد دروسه فهو مربي حقيقي غير متحيز ولا نزكي على الله أحد.
سبب كلامي هذا أنني لم اجد صوت العقل في هذه الأحداث بل فريقين متناحرين بين أربع رجال كرام فالمتنبي وشوقي أبدعوا واضافوا للغة العربية جمال على جمال واغنوا الساحة الأدبية بما لا يمكن حصره، والشيخين عائض القرني و صالح المغامسي لكل منهم خط يختلف عن الآخر فالأخير يستمتع بالمرئيات و الشرح والإسهاب في إيصال المعلومة و الاول يحب الكتابة والإنتاج الغزير وكلاهما يحسن التعامل مع الخصوم و المعجبين.
يقول امير الشعراء احمد شوقي:
وَكُن كَالنَحلِ وَالدُنيا الخَلايا
يَمُرُّ بِها وَلا يَمضي عَقيما.
فخذ من هؤلاء القمم الأربع ما يغنيك و يثريك اقطف من كل بستان زهرة لا تمكث في محطة واحدة فالشعراء الوان والعلماء طرق شتى الجيد الذي يعرف كيف يحتويهم جميعاً ويكون أكثر شمولية ليوسع مداركه ومخزونه الثقافي فاللغة العربية اكبر من عشرين شاعر وعشرين عالم.
جميع الحقوق محفوظه لصحيفة المصداقية الالكترونية 2020